انتفاضة شباب اليمن...ثورة على نار هادئة؟
قبل حوالي عامين خرج شباب اليمن وشاباته إلى الساحات مطالبين، كما كان الحال في تونس ومصر، برحيل رئيس البلاد حينذاك علي عبد الله صالح، الذي ظل متشبثاً بكرسي الحكم طيلة أكثر من ثلاثين عاما.
الشباب الثائر طالب أيضا بمكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة اليمنية، والفقر في بلد يعتبر من أفقر الدول العربية، كما طالبوا بالعدالة الاجتماعية ومزيد من فرص العمل. لكن ومنذ ذلك الحين يبدو أن البلاد دخلت في مرحلة انتظار طويلة لم تخرج منها حتى الآن.
صحيح أن شباب حركة التغيير التي اندلعت في عام 2011 لم يفقدوا الأمل حتى الآن، إلا أن الكثيرين يرون أن عملية التحول الديمقراطي تسير ببطء.
ويبدو أن عملية الإصلاح السياسي لم تحرز أي تقدم منذ تولي الرئيس الانتقالي اليمني عبدربه منصور هادي مقاليد الحكم قبل حوالي عام، حين أوكلت إليه مهمة إخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي وصلت إليها خلال عام 2011.
ومن مهام هادي أيضاً تطبيق ما اتُفِق عليه في مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي من المفترض أن تمهد الطريق للتغيير الديمقراطي في اليمن.
صالح لا يزال يحكم من وراء الكواليس
ومع أن عملية الانتقال الديمقراطي التي تمر بها البلاد ما زالت تتقدم ببطء شديد، يرى نقاد المشهد السياسي اليمني أن هادي هو حل أفضل من بقاء علي علي عبد الله صالح في السلطة. لكنه في نظرهم رئيس ضعيف ولا يمسك فعلاً بزمام الأمور في الدولة.
هادي قام فعلاً بإعادة هيكلة الجيش وتجريد بعض ضباط الجيش المقربين من صالح من مناصبهم، لكن ذلك لا يكفي في رأي الناشطة اليمنية توكل كرمان، التي حصلت في 2011 على جائزة نوبل للسلام. وترى كرمان أن الرجل المسيطر على اليمن حالياً هو علي عبد الله صالح، كما قالت مؤخراً في مقابلة مع صحيفة "دي بريسه" Die Presse النمساوية.
لا يزال علي عبد الله صالح يملك قدراً كبيراً من النفوذ والمال في اليمن، وهو في الحقيقة من يدير أمور البلاد من وراء الكواليس، ويرأس أيضاً حزب المؤتمر الشعبي العام المشارك في الحكم، وذلك على الرغم من أنه كان قد سلم السلطة قبل عام إلى نائبه هادي وتنحى عن "عرشه" بعد مفاوضات طويلة مع المعارضة الحزبية اليمنية وبضغط كبير من قبل دول الخليج العربي.
كما أن صالح هو مَن يقوم بتعيين المشاركين من حزبه في مؤتمر الحوار الوطني الذي من المقرر أن تجتمع فيه كافة الأحزاب والفصائل السياسية اليمنية في الثامن عشر من مارس/ آذار 2013، من أجل التحضير لصياغة دستور جديد لليمن وللانتخابات المزمع إقامتها عام 2014.
يعتبر البعض أن اختيار صالح للمشاركين من حزبه في هذا الحوار الوطني هو بمثابة رمز للقوة والنفوذ الذين ما زال صالح يتمتع بهما في اليمن ما بعد الثورة، والمفارقة هنا أن هذا الحضور القوي لصالح وسيطرته داخل الدولة هو الذي أصلاً دفع الشباب قبل عامين للخروج إلى الشوارع والساحات لمطالبته بالتنحي. ومنهم من دفع ثمن تحقيق هذا الهدف بحياته.
انتظار وترقُّب
ورغم أن التسوية التي توصلت إليها المبادرة الخليجية حالت دون دخول البلاد في حرب أهلية دامية، إلا أنها وفي الوقت ذاته ضمنت الحصانة لصالح من الملاحقة القضائية.
الخيار المتاح أمام شباب الثورة الآن هو الانتظار وترقب ما ستؤدي إليه المبادرة الخليجية. أربعون منهم سيشاركون في الحوار الوطني. المدوِّنة والناشطة المستقلة والشاعرة الشابة رغدة جمال شاركت آنذاك في الحركة الاحتجاجية، وهي الآن متفائلة بشكل عام، ولكنها في الوقت ذاته حذرة في الحكم على تطور الأمور في الأشهر المقبلة.
ترى رغدة ابنة السبعة وعشرين عاماً أن على شباب الثورة الآن التعايش مع الوضع الحالي والقبول بالمبادرة الخارجية. لكنها لا تخشى من أن يُخدع الشباب وأن تـُسرق منهم الثورة، وتتابع: "سنراقب المسؤولين وصناع القرار، وإن لم يتقيدوا بأهداف الثورة، فسنخرج في موجة احتجاجية ثانية من أجل المطالبة بيمن حديث".
"من المبكر الحكم على نجاح الثورة"
التفاؤل هو أيضاً ما يتحلى به الشاب عبد الرحمن جابر من العاصمة صنعاء، والذي شارك في أيضاً في الثورة اليمنية. غير أن عبد الرحمن يعي أيضاً بأن "وضع البلاد ليس مثالياً وأن هناك حاجة للعديد من الإصلاحات".
ولكنه يرى أن الثورة اليمنية نجحت، وأن أهم ما أنجزته هو إجبارها الحاكم الدكتاتوري علي عبدالله صالح على التنحي: "كان علي عبد الله صالح يعامل اليمن وكأنها مملكة، وربما أسوأ من ذلك، ونحن استطعنا أن نزيل هذا الملك".
لكن الشاب عبد الرحمن جابر، الذي يعمل كمصمم ومصور، لا يرى سبباً للإفراط في الفرحة، لأن اليمن ما زال يعاني من مشاكل جمة، كالفساد والفقر والبطالة في أوساط الشباب، وخطر الإرهاب، والنزعات الانفصالية في أنحاء عديدة من البلاد.
ويقول: "لقد خرجنا إلى الشوارع من أجل الاحتجاج ضد كل هذه المشاكل، ولكنني أعتقد أنه من المبكر الآن الحكم إذا ما كانت الثورة اليمنية قد نجحت أو فشلت".
وبحكم عمله، يختلط عبد الرحمن جابر، إبن الأربعة والثلاثين عاماً، بالجيل الشاب المتعلم والمثقف في اليمن، ويقول إن بعض الشباب يصابون بالإحباط عندما يقارنون وضع اليمن بالوضع السياسي في مصر أو تونس مثلاً، فيبدو أن عملية الانتقال الديمقراطي أحرزت تقدماً أكبر هناك مقارنة مع اليمن.
ويضيف: "لكن الوضع في اليمن، حسب اعتقادي، يختلف. في رأيي، علينا أن ننتظر ما الذي سيأتي به الحوار الوطني، وإن كانت الانتخابات العامة ستجرى في الموعد المحدد لها".
لكن الوضع في اليمن بشكل عام، كما يقول عبد الرحمن، يتحسن شيئاً فشيئاً، ويضيف أن الشباب الذين يتعامل معهم متفائلون بما يخص مستقبل اليمن، مع أن المشهد السياسي هناك ما زال ضبابياً.
طريق شاق نحو الديمقراطية
سنة كاملة أمضاها رئيس اليمن المؤقت في السلطة، ويبدو أنه بدأ الآن يدرك خطورة الموقف، إذا لم يحدث أي تحرك سياسي في البلاد واستمرت حالة الركود التي تشهدها العملية الانتقالية منذ فترة.
لذلك حدد هادي قبل بضعة أيام موعد بدء الحوار الوطني في الثامن عشر من مارس/آذار 2013، بعد أن تم تأجيل هذا الموعد عدة مرات، بسبب خلاف مع مجموعة الحراك الجنوبي التي تطمح لمزيد من الاستقلال في جنوب البلاد.
طريق اليمن إلى دولة ديمقراطية حديثة طريق طويل وصعب، وعملية التغيير الديمقراطي فيها ستكون معقدة، ولكن، رغم كل المصاعب والتأخير، فإن ثورة الشباب اليمنية بالنسبة للناشطة الشابة رغدة جمال كانت ناجحة، فهي ترى أنه لم يعد من الممكن تضليل الشباب اليمني بعد الآن: "لقد أصبحنا كشباب نعرف حقوقنا. زمن السكوت مضى وولى".
نادر الصراص
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013