تحقيق الذات...أسلوب للمقاومة لدى الشباب الفلسطيني
دفعت حرب صيف عام 2014 بين الجيش الإسرائيلي وحماس في قطاع غزة، الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى الخروج من جديد إلى الشارع. تداخلت التظاهرات هذه المرة مع الدائرة المغلقة للعنف والعنف المضاد إلا أن هذا لا يمنع أنها مازالت أشهر أشكال المقاومة الفلسطينية. لكن الوضع يختلف تماما في الأوقات الأكثر هدوءا إذ لا تسيطر مسألة التظاهر على الشباب الفلسطيني الذي يقدم تحقيق الذات على الصراع المسلح كأسلوب للمقاومة، وفقا لما أظهرته دراسة ميدانية للمستعرب الألماني ديفيد كروير.
أجرى كروير الباحث بجامعة لايبتسيغ الألمانية، مقابلات مع شابات وشباب فلسطيني في رام الله. وعند طرح كلمة "المقاومة" على الشباب الذين ينحدر بعض منهم من مدن أخرى في الأراضي الفلسطينية، تحدث الكثيرون عن معضلة الجمع بين المصالح الخاصة والالتزامات الوطنية. وبدت هذه المسألة واضحة بشكل كبير عند سؤال الشباب عن قضايا الهجرة أو العمل في المستوطنات الإسرائيلية، إذ ظهرت مشاعر الانقسام بين الرغبة في التحرك والشعور بالالتزام تجاه أبناء الوطن.
كشفت الدراسة أن مجرد البقاء في الوطن ينظر إليه كنوع من أنواع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى وإن اضطر البعض إلى العمل لدى الإسرائيليين لأسباب مادية. ويرجع كروير سبب ربط المقاومة بالتعليم والثقافة بين المشاركين في الدراسة، إلى زيادة عدد طلبة التعليم الجامعي بينهم.
عرض الأفلام كوسيلة للمقاومة
تنبع هذه الفكرة في الكثير من الأحيان من القناعة بأن النضال المسلح ضد إسرائيل الأكثر تفوقا من الناحية العسكرية لن يأتي بشيء في النهاية وهو ما توضحه الطالبة صوفي المنحدرة من الخليل بقولها: "لن يؤدي بنا الأمر (النضال المسلح) لشيء..بل على العكس فهو يجعلنا نعود كثيرا إلى الخلف". ورصدت الدراسة انتشارا واسعا للقناعة بقدرة التعليم ودراسة الإرث الثقافي الفلسطيني علاوة على الفن والأدب والمسرح، على مقاومة الاحتلال بشكل أكثر فاعلية من عنف السلاح. وترى صوفي المشاركة في الدراسة، أن هذه الفكرة تعزز مسألة أكثر عمقا وهي "البحث عن المزيد من الإنسانية بداخلنا".
تشير الإحصائيات إلى زيادة غير معتادة في عدد الشباب الفلسطيني العامل في مجال الفن والمساهم في أنشطته. مشروع "السينما الجوالة" الذي أطلقه المنتج الفلسطيني يوسف الديك عام 2008 بمساعدة طلبة من رام الله، يعد مثالا واضحا على هذا الأمر. يعمل المشروع على عرض أفلام سينمائية خارج المدن وفي القرى النائية بهدف تحريك الوضع السينمائي المزري في هذه الأماكن التي شهدت إغلاقا لمعظم المسارح منذ عام 1989.
بالرغم من أن فكرة المشروع تعتمد بالأساس على تعزيز التربية الفنية إلا أن عرض أفلام مخرجين فلسطينيين أو الأفلام التي تتناول فلسطين بشكل عام، تعد نوعا من المقاومة مثلها مثل الأعمال الوثائقية التي تدور حول الموسيقى والرقص الفلسطيني التقليدي والتي يشارك فيها الطلبة أيضا.
التعريف التقليدي للمقاومة
من الأمور التي لفتت انتباه كروير خلال دراسته، أن القناعات الشخصية ليست دائما الحافز المحرك لفكرة المقاومة لدى الشباب الفلسطيني والتي يحركها الضغط الاجتماعي الذي يؤدي بين الحين والآخر لتنمية مشاعر الرفض. أجرى الباحث الألماني في الوقت نفسه استطلاعا للرأي عبر الإنترنت شارك فيه 112 شخصا (نصفهم تقريبا من تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات) من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، بهدف منح الشباب الفرصة للتعبير عن رأيهم في فكرة المقاومة دون أي نوع من الضغط.
وأوضح استطلاع الآراء سيطرة فكرة أن بناء الشخصية القوية والبحث عن سبل الحصول على تدريب مهني جيد، هي الطريقة الملائمة لخدمة فلسطين. وفقا للدراسة فإن عناصر مثل الجنس والعمر والتعليم المدرسي أو النشاط الوظيفي ليست مؤثرة على المشاركين في الاستطلاع بقدر تأثير عنصر الخبرة في الخارج وحرية التنقل والتقدم على المستوى الشخصي. أما الأشخاص الذين قالوا إنهم قضوا "الجزء الأهم من حياتهم" في شتات، فغلبت عليهم الأفكار البلاغية الخاصة بالمقاومة.
ويخمن كروير أن السبب وراء نتائج دراسته لا يعود فقط إلى خبرات العائدين للوطن الذين عرفوا العيش بحرية ولكنه ربما يرجع أيضا إلى أن "خطاب المقاومة التقليدي مؤثر في المقام الأول في حياة المشتتين في حين حلت محله طرق خطاب جديدة في المناطق المحتلة".
جوزيف كرويتورو
ترجمة: ابتسام فوزي
حقوق النشر: قنطرة 2014