إيران...لاعب فاعل في العراك السوري وشريك في البطش الأسدي
ظهر الرئيس السوري بشار الأسد في برنامج تلفزيوني إلى جانب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني فيما يشبه ظهورا استعراضيا. وصرّح الأسد بأن دمشق تمتلك الإمكانات العسكرية للرد على كل هجوم عسكري محتمل.
وبدوره قال مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان ـ متكهنا بالمستقبل ـ إن أية ضربة عسكرية على سوريا ستكون لها "عواقب وخيمة" على تل أبيب.
لكن من يفكر في ضربة ثأر يعمل مُسبقا على وضع سيناريو واضح. فبشار الأسد لم تعد لديه القوة الكافية لفعل ذلك بمفرده. ويبدو وكأن إيران تسلمت زمام الأمور في دمشق، رغم أن الأسد لا يكف عن الترديد بأن بلاده لن تسمح لأحد بالتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.
إيران طرف في الأزمة السورية
التدخل الإيراني الكبير في الشؤون الداخلية لدمشق بدأ حتى قبل إعلان إسرائيل مؤخرا أنها ضربت هدفا في سوريا دون إعطاء تفاصيل عن الهدف المستهدف. وتدعي سوريا أن الأمر يتعلق بمختبر للأبحاث العسكرية بينما ذكرت الولايات المتحدة الأمريكية أن الأمر كان يتعلق بموكب عسكري.
وتبقى هناك مسألة مبهمة وهي وجود قتلى إيرانيين في المكان الذي كان هدفا للضربة الإسرائيلية. ولم يعد الأمر خفيا في كون الجمهورية الإسلامية قدمت دعمها لسوريا منذ بداية الثورة في البلاد قبل عامين.
وهو دعم اتخذ مع مرور الوقت، وفي ظل التطورات الميدانية، أبعادا كبيرة. فقد كان الدعم الإيراني يتجلى في إمداد الوسائل التكنولوجية ةالأسلحة والإمداد بمدربين عسكريين وتقديم المشورة والمعلومات السرية. وبذلك تكون طهران وبشكل علني طرفا في الحرب الأهلية السورية.
وقبل أيام قتل مسلحون سوريون قائدا عسكريا تابعا للحرس الثوري الإيراني. وبحسب معلومات للسفارة الإيرانية في لبنان فإن الأمر يتعلق بحسين شوشنويس الذي كان رئيس ما يُطلق عليه بلجنة إعادة البناء في لبنان. كما تم قتل قائد الوحدة العسكرية الخاصة في الطريق من دمشق في اتجاه البلد الجار. ووصفت إيران قاتليه بأنهم "مجموعات إرهابية مسلحة".
مشاركة للجيش الإيراني
إلى جانب قوات النظام السورية تقاتل أيضا قوات خاصة من "الحرس الثوري الجمهوري الإيراني" ضد الثوار السوريين. والأكثر من هذا، فبناء على مصادر ذات دراية بالوضع فإن جنودا من المشاة الإيرانيين ذهبوا إلى سوريا لدعم الجيش النظامي هناك.
ويتم إرسالهم إلى سوريا عبر شمال البلاد والجزء الكردي في اتجاه الحدود العراقية. ولا تتجلى مهمتهم في المشاركة في المعارك بل في حراسة مخازن الأسلحة ومد الثكنات العسكرية بالمؤونة.
ويعتبر الثمانية وأربعين رهينة الإيرانيون الذين أُلقي عليهم القبض في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2012 في دمشق دليلا على حجم الدعم الإيراني للنظام السوري.
وفي بداية شهر يناير/ كانون الثاني 2013 تم إطلاق سراح الرهائن في إطار صفة تبادل مقابل ألفي معتقل معارض سوري في سجون النظام السوري. ووصف النظام السوري الرهائن الإيرانيين بأنهم "حجاج مسلمون"، بينما قال الثوار إن الرهائن أعضاء في الحرس الثوري الإيراني.
وقال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في حوار مع إحدى الصحف العربية إن طهران " تدرّب رجال الأمن والمخابرات السوريين". فإيران تشارك في "الحرب السورية" على المستويين العسكري والثقافي بحسب ذلك القائد، الذي لم يوضح ما يقصده بالجانب الثقافي. ولكن من المؤكد انه لم يقصد الحجاج بل على الأرجح سرايا القدس التي تدعم نظام الأسد.
غاسم سليماني " الحاكم الحقيقي لبغداد"
بحسب معلومات حصلت عليها وسائل الإعلام عن طريق المخابرات الأمريكية فقد عُقد لقاء سري مع الرجل النافذ في إيران، آية الله خامنئي، مع مجلس الأمن القومي الإيراني، للتباحث حول مختلف السيناريوهات المحتملة في حال سقوط النظام السوري.
ومن المرجح أن خامنئي قدم الدعم لسرايا القدس ضد الغرب وحلفائه لأنهم دعموا المعارضة السورية. وأكد خامنئي ـ بحسب المصدر السابق ـ أن إيران لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال تعرض أمنها الوطني للخطر. وعين القائد غاسم سليماني على رأس سرايا القدس كوسيط مع بشار الأسد، للعمل سويا على قمع الثورة.
وتُعتبر سرايا القدس وحدة خاصة للحرس الإيراني (پاسداران) التي تتجلى مهمتها في القيام بعمليات خارج البلاد. وهذه وحدة مشهورة على الخصوص في العراق، لدعمها لشيعة العراق، باللجوء إلى كل الوسائل التي تقود لتحقيق الأهداف.
ومن المرجح أيضا أن سرايا القدس لها يد في العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية في العراق وفي النزاعات الدموية بين الشيعة والسنة.
صيت سليماني ذائع في العراق. كما أنه مصنف في لائحة الإرهابيين من طرف الإدارة الأمريكية. رغم ذلك فمن المرجح أنه التقى بالأمريكيين في مكتب الرئيس العراقي طالباني. لكن الأمريكيين نفوا ذلك.
ووصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية سليماني بأنه "الحاكم الحقيقي لبغداد". وليس مفاجئا أنْ تم إرساله إلى سوريا. ففي عام 2006 وقعت إيران وسوريا على اتفاقية تعاون بعد انطلاق الحرب الأمريكية على العراق وتصنيفهما من طرف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن في "دول محور الشر".
ومنذ ذلك الوقت زاد النفوذ الإيراني في المنطقة مشكّلاً ما يُطلق عليه " الهلال الشيعي" الذي يضم مناطق في العراق، سوريا، جنوب لبنان (حزب الله) وحركة حماس.
" محور المقاومة" ضد الغرب
تنظر إيران إلى الحرب الأهلية في سوريا ودعمها لنظام الأسد على أساس أنها حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأيضا الدول الغربية، التي تطمح بدورها إلى زيادة نفوذها في الشرق الأوسط.
ويعتبر الحكام الإيرانيون أنفسهم "محور المقاومة" ضد الغرب وهذا سبب تحالفهم مع النظام العلوي السوري وحزب الله اللبناني. ويقول لؤي صافي، عضو مجلس الوطني السوري المعارض " لن نبالغ في وصف إيران بالداعم الأساسي للنظام السوري. فإيران تمد سوريا بالدعم السياسي والتقني والعسكري والاستخباراتي والمالي.
والنتيجة هي أن إيران تعمل على الحصول على إمكانية مراقبة كل المبادرات السياسية المختلفة". ولن يكون الأمر غريبا في حال محاولة سرايا القدس استغلال الوضع لتشكيل الخطورة على إسرائيل انطلاقا من سوريا.
برغيت سفنزون
ترجمة: عبد الرحمان عمار
تحرير: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: قنطرة 2013 / دويتشه فيله