نزاعات مياه دولية على شفا إشعال حروب

نساء عند مسطَّح مائي في إيران.
نساء عند مسطَّح مائي في إيران.

صراع مصري إثيوبي وباكستاني هندي وأفغاني إيراني يغذيه تغير مناخي زاد من قساوة الطقس ومعاناة العالم من حرارة وجفاف أديا إلى شح مياه أسفر عن توترات متفاقمة بين هذه الدول المتجاورة.

يعاني الذين يعيشون في المناطق الحدودية بين أفغانستان وإيران من الحرارة الشديدة والجفاف والعواصف الرملية. في بعض الأحيان تكون المياه شحيحة في هذه المحافظات إلى درجة أنه يصبح من الضروري نقلها إلى القرى في ناقلات. في أواخر شهر أيار/مايو 2023 كانت المنطقة مسرحاً لمناوشات دموية. فقد حوّل تبادل إطلاق النار المنطقةَ الحدودية إلى ساحة معركة لفترة وجيزة. ومنذ أيام قليلة هدّد الرئيسُ الإيراني -إبراهيم رئيسي- حركةَ طالبان خلال نزاع حول المياه في نهر حدودي رئيسي.

وتقع منطقة هامون المحمية (بحيرة هامون) على مقربة من نقاط التفتيش الحدودية. تُذكِّرُ صورٌ قديمة للنظام البيئي (البحيرة)، والتي تُظهِرُ البحيرة مليئة بطيور الفلامينغو وسطحها يتلألأ تحت الشمس، بجمال ما كانت فيما مضى ثالث أكبر بحيرة في إيران. بينما في يومنا هذا تُظهِرُ صورُ المنطقةِ أسماكاً جافة وقوارب مهجورة. وفي وسط البحيرة أطلال أسطورية حيث بحث ذات مرة عالم آثار ألماني عن بلاد فارس القديمة.

من أحد أسباب الجفاف إقامة سدٍّ على مياه نهر هلمند، الذي يزيد طوله عن 1000 كيلومتر في أفغانستان المجاورة، والذي يصبُّ في بحيرة هامون، على الجانب الأفغاني. ويقول عضو البرلمان الإيراني محمد سركزي: "لسنوات عديدة استفاد الناس في شمال المحافظة من مياه نهر هلمند ومارسوا الزراعة وصيد الأسماك وتربية الحيوانات". أما الآن، كما يقول، فقد رحل العديد من السكان.

 

 

أُعلِنَتْ بحيرةُ هامون محميةً طبيعية من قِبَل اليونسكو في عام 2016. Der Hamun-See wurde 2016 von der UNESCO zum Biosphärenreservat erklärt; Foto: Irna
رحيل سكان: وُضِعت سدود على مياه نهر هلمند، الذي يبلغ طوله أكثر من 1000 كيلومتر في أفغانستان المجاورة لإيران، والذي يصبُّ في بحيرة هامون، على الجانب الأفغاني. يقول برلماني إيراني: "منذ أعوام، استفاد الناس في شمال المحافظة من مياه هلمند ومارسوا الزراعة، والصيد، وتربية الحيوانات". لكن الآن رحل العديد من السكان، كما يقول.

 

ومن المفترض أن تنظّم اتفاقية من عام 1973 استخدام مياه نهر هلمند. بيد أنّه في أعقاب الاحتباس الحراري تعاني أفغانستان أيضاً من الجفاف. يشتكي أحد سكان ولاية نيمروز: "ليس لدينا ما يكفي من المياه حتى للشرب". وسدّ كمال خان، الذي انتهى في عام 2021، يوفّر للولاية الكهرباء، كما يؤمّن الري للزراعة.

إمكانية للمزيد من التعاون

كما ترى لينا بارتش، أستاذة العلوم السياسية في جامعة برلين الحرّة، إمكانية للمزيد من التعاون كذلك. إذ تحذّر الباحثة البيئية من أنه: "حين تحدث حروب المياه، فهي نبوءة ذاتية التحقّق. لكنني لست متشائمة، لأنني أعتقد أنّ الماء هو في الأساس مورد يشجّع على التعاون".

وتقول الباحثة أنّ أحد المؤشرات على ذلك، زيارة طالبان لإيران في العام الماضي 2022 خلال النزاع حول هلمند. تقول لينا بارتش: "بدلاً من الاستثمار في التسلّح، من المهم خلق مساحة للمفاوضات والمؤسسات"، وتضيف أنّ البشرية ينبغي أن تتكيّف مع تغير المناخ وتغير موارد المياه. "ليس من الناحية الفنية فحسب، بل في انسجام مع العالم الطبيعي".

كما يأمل خبير مياه من أفغانستان بمزيد من التعاون. إذ يقول نجيب الله سديد: "معدّل التبخر في محافظة سيستان وبلوشستان مرتفع"، ويتابع القول بأنّ التعاون سيكون ممكناً بالتحديد في مجال الزراعة: "من المنطقي زراعة المحاصيل حيث تنجح زراعتها. ينبغي علينا وقف هدر المياه".

سدّ النهضة الإثيوبي يُنذِرُ بانفجار سياسي

كما أنّ إمكانيات حدوث نزاعات حول حقوق المياه واضحة كذلك في شمال شرق أفريقيا. إذ يسبّب سدّ إثيوبيا، والذي سيكون الأكبر في أفريقيا حين يكتمل في عام 2024 أو 2025، تخوّف جارتها الإقليمية مصر على إمدادات المياه الخاصة بها وزراعتها المحلية، وهما كلتاهما تعتمدان على تدفّق النيل. تزايدت بالفعل التوترات حول كيفية ملء خزان السد وكمية المياه التي ستستمر بالتدفّق في النهر في المستقبل، على الأقل لفظياً، مع تخوّفات من اتجاهها نحو تصعيد عسكري محتمل. إذ يوفّر النيل أكثر من 90% من احتياجات مصر المائية.

ويبدو أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي بدا ميالاً للمصالحة في البداية، يفقد صبره بالتدريج في النزاع المستمر منذ سنوات. فمن وجهة نظر القاهرة، ترفض إثيوبيا الوساطة وتسعى لكسب الوقت. قال السيسي: "دعونا لا نصل إلى مرحلة يمسُّ فيها (الإخوة في إثيوبيا) نقطة من المياه المصرية، لأنّ الخيارات كلها مفتوحة". ويمكن أن يتبع ذلك "حالة عدم استقرار لا يمكن تخيّلها في المنطقة".

 

سد النهضة الكبير في إثيوبيا. Der Grand Renaissance Staudamm in Äthiopien; Foto: Gioia Förster/dpa/picture-alliance
مخاوف من تصعيد عسكري: الخلافات حول حقوق المياه واضحة أيضاً في شمال شرق أفريقيا. فسدُّ إثيوبيا -الذي سيكون الأكبر في أفريقيا عند اكتماله في عام 2024 أو 2025- يثير مخاوف جارتها الإقليمية مصر على إمداداتها من المياه وزراعتها المحلية، وهما كلتاهما تعتمدان على تدفّق النيل. والتوترات حول كيفية ملئ الخزان وكمية المياه -التي ستستمر بالتدفق في نهر النيل في المستقبل- بدأت بالتزايد بالفعل، على الأقل لفظياً، وسط مخاوف من تصعيد عسكري محتمل.

 

ومما يزيد من تعقيد المفاوضات النزاع الجاري على السلطة في السودان -الواقعة بين مصر وإثيوبيا- وتؤثّر فيها المسألة أيضاً. ففي السودان يتحارب الرئيس المدعوم من الجيش، مع نائبه السابق الذي تدعمه قوات الدعم السريع، من أجل السيادة منذ نيسان/أبريل 2023. وبالنظر إلى الوضع الصعب والمعقّد في الخرطوم، يكاد يبدو من المستحيل التوصّل إلى اتفاق ثلاثي مع القاهرة وأديس أبابا.

الهند وباكستان: الأعداء القدامى يواجهون تحديات جديدة

كما يحتدم الخلاف بين الهند وباكستان، المهدَّدتين بنقص المياه والجفاف، حول العديد من الأنهار المشتركة.

وأشهر هذه الأنهار، نهر السند، النهر الأهم في باكستان، والذي ينبع من التبت (شمال جبال الهيملايا) ويتدفّق عبر الجزء الهندي من كشمير المتنازع عليها. توجد اتفاقية تعاون تم التوصل إليها بوساطة البنك الدولي منذ أكثر منذ 60 عاماً. وقد خاضت القوتان النوويتان بالفعل عدة حروب مع بعضهما بسبب نزاعات أخرى. ورأى العديد من الخبراء الاتفاقيةَ بوصفها بريق أمل وإجماعاً نادراً بين الدولتين المتحاربتين.

لكن في كانون الثاني/يناير 2023، طالبت الهند فجأة بتغيير الاتفاقية. ومرة أخرى أصبحت مشاريع السدود الكبرى من أهم أسباب النزاع. وتزعم باكستان أنّ مشاريع الطاقة الكهرومائية الهندية في منطقة كشمير تخنق إمداداتها المائية. يقول مسؤول حكومي في إسلام أباد: "كانت الاتفاقية عظيمة في الستينيات". ويقول، في النهاية، نجت الاتفاقية من الحروب والتوترات السياسية. ويضيف، أنّ التحدي مختلف الآن. أما الهند -من جانبها- فتتهم جارتها بالفشل في المساومة.

ومن خبراء المناخ في باكستان برويز أمير الذي يدعو إلى إعادة التفكير السريع. يقول أمير: "نظراً إلى أنّ جميع الأنهار الجليدية في شمال باكستان والهند ستختفي بحلول نهاية هذا القرن إذا استمرّ الذوبان بالمعدّل الحالي، وباعتبار أنّها المصدر الرئيسي لمياه الأنهار، فعلى باكستان والهند التحدّث مع بعضهما الآن". "إنها مشكلة تقنية بحتة، بيد أنّ بإمكانها أن تسبّب نزاعاً أو حتى حرباً في المستقبل".

 

 

أرني بانش / يوهانس صادق / آن صوفي غالي

ترجمة: يسرى مرعي - موقع قنطرة 2023

حقوق النشر: د ب أ 2023

 

ar.Qantara.de