بحث صعب عن مهاجرين مفقودين في طوفان درنة
تشير تقارير أنّ حوالي 10 بالمائة من ضحايا الفيضانات الهائلة التي وقعت مؤخرًا 2023 في ليبيا هم من جنسيات أخرى. كان بعضهم يعملون هناك، بينما حاول البعض الآخر على الأرجح مغادرة ليبيا متجهين نحو أوروبا.
بعد مضي أكثر من أسبوع منذ أن ضربت الفيضانات الهائلة شرق ليبيا لم تصل أي أخبار لعائشة الإمام عن ابنها الأكبر. في مكالمة هاتفية دامعة قالت عائشة لِـ دويتشه فيله "كان من المفترض أن يتزوج ابني في غضون شهرين وذهب إلى ليبيا للعمل في مجال البناء لكسب المال لدفع تكاليف الزواج".
وتابعت السيدة التي تعيش في محافظة بني سويف المصرية "الخسارة التي تكبدناها هائلة ولا تستطيع القرية تحملها وليس هناك منزل واحد هنا لم يشعر بالخسارة".
بني سويف هي واحدة من أكثر المناطق الفقيرة في مصر، حيث يعيش حوالي 60 بالمائة من السكان تحت خط الفقر. ومن بين حوالي 250 قتيلاً مصرياً تعرفت عليهم السلطات الليبية، جاء نصفهم تقريبًا من قرية بني سويف.
ولكن اليوم كل ما تريده الأم الحزينة هو أن ترى جثمان ابنها، قائلة بنبرة حزينة "كل ما تبقى لدي هو الحزن".
بينما أكد طارق الخراز، المتحدث باسم وزارة الداخلية المعينَّة من قِبَل البرلمان في شرق البلاد، أن الجالية المصرية في درنة، الأكثر تضررا نتيجة الفيضانات بعد انهيار السدّين، وأن نسبة كبيرة منهم لا تزال مفقودة.
حوالي 10 بالمائة من الوفيات ليسوا ليبيين
مصر ليست الدولة الوحيدة التي تأثرت بهذه الطريقة. فقبل الفيضانات الناجمة عن إعصار دانيال قدَّرت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة IOM، أن هناك أكثر من 230000 مهاجر يعيشون في شرق ليبيا.
وفي آخر إحصائية يُعتقد أن عدد الوفيات المؤكدة ملتبس إلى حد ما بسبب الأعداد المتضاربة من مختلف المنظمات والسلطات وبلغ عددهم حوالي 4000، من بين هؤلاء، تم التعرف على أكثر من 500 من هؤلاء القتلى على أنهم غير ليبيين.
ولا يزال يصعب الحصول على أرقام دقيقة. ولكن حتى الآن، شمل عدد الوفيات 276 سودانيًا، وفقًا لأمانة السودانيين العاملين في الخارج، فضلاً عن أكثر من 110 سوريين، بحسب ما أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرًا له، والذي عادةً ما يحصي عدد القتلى في الحرب في سوريا.
وتم التعرف أيضًا على جثث ستة بنغاليين قتلوا في الفيضانات. هناك أيضًا مواطنون من دول أخرى في عداد المفقودين. ومع استمرار جهود الإنقاذ، من المرجح أن تستمر أعداد القتلى غير الليبيين في الارتفاع، إلى جانب أعداد الليبيين المتوفين.
وإجمالا ما يزال هناك حوالي 10000 شخص مفقودين، وبدأت آمال العثور على ناجين تتلاشى بعد نحو أسبوع من وقوع الكارثة.
إلى جانب المهاجرين الذين فقدوا حياتهم، نزح العديد منهم بسبب الفيضانات. إذ تقول المنظمة الدولية للهجرة إن ما لا يقل عن 40000 شخص اضطروا لمغادرة منازلهم بعد أن ضربت المنطقة عاصفة دانيال في 10 سبتمبر/ أيلول 2023.
في حين أن العديد من أولئك الذين أصبحوا بلا مأوى يبحثون عن المفقودين، وانتقل العديد من الآلاف إلى مدن وقرى أخرى إلى الشرق، وانتقل مئات آخرون إلى الغرب، وفقًا لآخر تقرير صدر عن المنظمة الدولية للهجرة.
وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة -لـ دويتشه فيله- إن معظم النازحين يقيمون مع أقاربهم وعندما أجرينا المسح عن أعداد النازحين، لم تميز المنظمة بين الليبيين النازحين وغير الليبيين.
واضاف المتحدث أن موظفي المنظمة يعملون مع سفارات بعض بلدان المهاجرين، بما في ذلك الصومال ولبنان والسودان ومصر، ولكن من المبكر جدًا التحدث عن ما حدث للمهاجرين في ليبيا المتأثرين بالفيضانات: "الاستجابة لا تزال إنسانية وطارئة".
يأتي المهاجرون إلى ليبيا للعمل أو العبور
ليبيا معروفة كوجهة للمهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط. ويعيش الكثيرون ويعملون في الدولة الغنية بالنفط، بينما يرى آخرون ساحل البحر الأبيض المتوسط في البلاد كنقطة انطلاق لرحلة نحو أوروبا، حيث يأملون في طلب اللجوء أو الحصول على الإقامة.
ليس هناك الكثيرون من المهاجرين المسجلين رسميًا لدى السلطات الليبية. وكانت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد سجلت حوالي 1000 طالب لجوء في مدينة درنة، ولكن من المرجح أن يكون هناك المزيد غير مسجلين. وتعتقد المنظمة الدولية للهجرة أن هناك حوالي 8000 أجنبي يعيشون في درنة.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن معظم الأجانب كانوا من تشاد ومصر والسودان أو النيجر، وكان العديد منهم شبانًا أصغر سنًا وتتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، يحاولون كسب لقمة العيش وإرسال الأموال لعائلاتهم في بلدانهم.
ويعمل العديد منهم في البلاد بشكل غير قانوني، وهو أمر يسهل القيام به نظرًا للحالة الفوضوية في ليبيا. ومنذ عام 2014 انقسمت ليبيا إلى قسمين، مع وجود حكومات متعارضة في شرق وغرب البلاد.
ويوجد هناك أيضًا مهاجرون من سوريا وبنغلاديش وباكستان في ليبيا. وفيما يدخل حاملو الجنسيتين الأخيرتين غالباً إلى ليبيا عبر مصر، يأتي السوريون إلى البلاد بتأشيرة سياحية ثم يستقرون فيها.
وحتى قبل الفيضانات أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء معاملة المهاجرين داخل ليبيا وسبق وأن وثقت المنظمة الظروف اللاإنسانية داخل مراكز الاحتجاز التي تشمل كل شيء من التزاحم إلى التعذيب.
الفيضانات تجعل وضع المهاجرين في ليبيا أسوأ بكثير
كتب باحثون في معهد دراسات الأمان الذي يتخذ من جنوب أفريقيا مقرًا له في إحاطة نُشرت مؤخرًا: أن المهاجرين غير النظاميين ضعفاء بشكل خاص، لأنهم يفتقرون إلى مصادر العيش والدعم المجتمعي.
ومن المحتمل أن يواجه المهاجرون في المدن المتأثرة زيادة في الكراهية ضدهم بينما تعمل المجتمعات الليبية على بناء ذاتها من جديد. ومن غير المرجح أن يتم التعرف على المهاجرين بسهولة وإعادة رفاتهم إلى بلدانهم للدفن.
انقطاع الاتصالات يعيق عملية البحث عن ناجين
تشعر هيومن رايتس ووتش بقلق شديد بشأن وضع المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا بشكل عام، وخصوصًا أولئك الأشخاص الذين تأثروا بالفيضانات في شرق ليبيا.
إذ تقول حنان صلاح -كبيرة الباحثين الليبيين في المنظمة- إن الظروف كارثية في المدن والقرى التي تأثرت بالعاصفة.
وتعرب عن قلقها بأن المهاجرين وطالبي اللجوء -الذين يواجهون بالفعل صعوبات هائلة أثناء وجودهم في ليبيا- قد لا يحصلون على وصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك المأوى والمياه النظيفة والطعام الكافي والرعاية الصحية خاصاً بعد اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي.
"a UN fact-finding mission claimed that migrant exploitation in Libya was in violation of international law, with evidence that both armed militias and state actors had committed crimes against humanity."#Lybia #UnitedNations #HumanTrafficking https://t.co/WGn3h7i1V6
— Sada / صدى (@SadaJournal) September 16, 2023
وتتابع صالح في حديثها مع دي دبليو "من الصعب معرفة مكان المهاجرين بالضبط، سواء كانوا نازحين أو مصابين أو أسوأ من ذلك"، مشيرة إلى أن "مشكلة قطع الاتصال تعني الكثير لهم وقد يواجهون صعوبات في إبلاغ أسرهم وأحبائهم عن مكان تواجدهم".
وينشر الليبيون على منصات التواصل الاجتماعي أسماء العديدين من المفقودين، حيث يسهل على ذويهم تحديد مكانهم.
و يعتبر الشاب السوري محمد عبدربه البالغ من العمر 28 عامًا، أحد المحظوظين اذ انتقل إلى درنة العام الماضي 2023 وتم العثور عليه حياً تحت الأنقاض بينما يتلقى العلاج في مستشفى في بنغازي.
وفي مكالمة هاتفية قال لـ دويتشه فيله: "في تلك اللحظات المرعبة شهِدتُ الموت.. كانت هناك جثث بجانبي وفوقي وتحتي وتوقعت مصيري مثلهم". ويتابع "نجوت من الموت بأعجوبة".
إسلام الأطرش - ليبيا / كاثرين شير
حقوق النشر: دويتشه فيله 2023