"المرهقون" أول فيلم يمني طويل يعرض في برليناله
قال صناع الفيلم اليمني "المرهقون" إن الفيلم حصل على جائزة منظمة العفو الدولية بمهرجان برلين السينمائي والتي تُقَدَّم للفيلم الأكثر تأثيراً في الجانب الإنساني من بين جميع أقسام المهرجان. وكتب المنتج المشارك في الفيلم محسن الخليفي على صفحته بموقع فيسبوك "حصل الفيلم أيضا على ثاني أعلى نسبة تصويت في جائزة الجمهور".
الفيلم من إخراج عمرو جمال وبطولة خالد حمدان وعبير محمد وسماح العمراني وإسلام سليم ورؤى الهمشري وعمر إلياس وتدور أحداثه حول زوجين يعانيان من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في اليمن ولديهما ثلاثة أطفال ومع اكتشاف الزوجة حملها من جديد تبدأ في التفكير في إجهاض نفسها رغم معرفتها بالعواقب الاجتماعية التي قد تنتج عن هذا الفعل.
الفيلم هو العمل الثاني للمخرج، المولود في مدينة عدن، بعد فيلمه "عشرة أيام قبل الزفة" الذي لاقى نجاحاً جماهيرياً عند عرضه في 2018 ونال جوائز من مهرجانات سينمائية دولية.
وقال مخرج الفيلم في مقابلة مع موقع مهرجان برلين في وقت سابق "حرصت على تصوير الفيلم في أماكنه الطبيعية بمدينة عدن، والتقطت بالكاميرا لقطات بانورامية تظهر الكثير من معالم المدينة التي أخشى أن تزول خلال الأعوام القادمة".
وأضاف "الفيلم لا يناقش جدلية الإجهاض وإذا كان حراماً أم حلالاً، الإجهاض هو رمز للتضحيات التي يلجأ لها اليمنيون لمواصلة حياتهم، فعندما تضطرنا الظروف للتخلي عن أحلامنا نقول إن أحلامنا أُجهضت، وهنا فكرة التخلي عن الطفل المنتظر ترمز للتخلي عن الأحلام والمستقبل".
"المرهقون" هو أول فيلم يمني طويل يُعرض في برليناله في ألمانيا. تحدث أحمد شوقي مع مخرجه عمرو جمال عن صعوبات تصوير فيلم في اليمن، وعن موضوع الشائك الذي يروي حكاية أسرة تحاول التخلص من جنين تحمله الأم لصعوبة الظروف الاقتصادية، بما يضعهم في مواجهة مجتمع يُحرم ويُجرم الإجهاض.
خلال حضوره برليناله في العاصمة الألمانية من أجل عرض فيلمه "المرهقون" الذي صار أول فيلم يمني طويل يُعرض في المهرجان ضمن قسم البانوراما، استمتع المخرج عمرو جمال بتجربة برليناله، فقابلته عدة مرات داخل القاعات ينتظر مشاهدة فيلم، أو خارجها ينتظر الدخول لآخر، وهو المكان الذي بدأ فيه هذا الحوار خلال دخولنا لمشاهدة فيلم المسابقة "مانودروم" معًا.
ماذا كانت نقطة بداية مشروع "المرهقون"؟
عمرو جمال: بدأت حكاية الفيلم في أكتوبر 2019 عندما وقعت القصة لصديق عزيز، لاستأذنه أن تكون موضوعًا لفيلمي. بدأت أكتب السيناريو بصحبة زميلي مازن رفعت، فقابلنا الصديق وزوجته مرات عديدة ووضعنا معًا نص الفيلم. جاءت الجائحة فاستغللنا الفرصة في إعادة الكتابة، حتى تمكنا من بدء التصوير في أغسطس 2021.
نتحدث عن فيلم تم تصويره في اليمن، بلد بلا صناعة سينما تُذكر يعيش حالة حرب، هل وضعك ذلك أمام تحدٍ؟
عمرو جمال: أنا مؤمن جدًا بتصوير الفيلم في مكانه الطبيعي لأني مؤمن أيضًا بقيمة التوثيق، ففي أعمالي المسرحية والتلفزيونية وفيلمي الأول "10 أيام قبل الزفة" كان توثيق المكان أحد الأهداف الواضحة. اليمن، وخصوصًا مدينة عدن التي أنتمي لها، مكان له تاريخ طويل مع المسرح، كان مليئًا بقاعات السينما التاريخية، حتى أتت الحروب الأهلية وسيطرت الطوائف الإسلامية المتشددة على المدينة فدمروا كل دور العرض، لكننا بدأنا استعادة النشاط عام 2005 عبر تكوين فرقة مسرحية. من هنا بدأ تراكم جمهور من المدينة يتابع أعمالنا، منحنا أنا وفريقي سمعة جيدة بين سكان المدينة وحتى السلطات فيها، لأجد عندما بدأت فيلمي الأول مساعدة وتمويل من داعمي المسرح في عدن. وعندما صنعت "10 أيام قبل الزفة" لم يتوقع أحد أن ينجح لدرجة البقاء ثمانية أشهر يُعرض في قاعات اليمن بين عامي 2018 و2019. كل هذا ساعدني على تصوير "المرهقون".
وماذا عن تكوين فريق عمل الفيلم؟
عمرو جمال: لم ينقطع العمل التلفزيوني قَطّ في اليمن، وبالتالي هناك دائمًا طواقم مدربة استعنت بهم، وبالطبع أفراد فريقي المسرحي الذين انضموا معي، واستعنت بخبرات من خارج البلاد في رئاسة الأقسام كمدير التصوير والمونتير، على أمل أن يساعدوا في تدريب كوادر فنية محلية للأفلام المقبلة. أما الممثلون فأغلبهم ليسوا ممثلين من الأساس أو لديهم خبرات تلفزيونية محدودة جدًا.
ما هي الصعوبات في التصوير داخل اليمن؟
عمرو جمال: صعوبات عديدة تبدأ من الوضع الأمني غير المستقر الذي يجعلك دومًا في قلق من حدوث ما يوقف التصوير، وهو ما جرى بالفعل عندما اشتعلت معركة أجبرتنا على إيقاف التصوير لأسبوع كامل. كذلك غياب الكهرباء لفترات طويلة من اليوم وبالتالي يجب دومًا استخدام مولدات وتوفير وقود لها. هناك أيضًا تعدد الأطراف المتصارعة على السلطة، بما يجبرنا على أن نبقي العلاقات طيبة مع الجميع حتى نضمن إكمال التصوير، فبعض الأماكن مثلًا تتبع سلطة ما وأماكن مجاورة تتبع سلطة أخرى، لو لم تكن علاقتك طيبة بكليهما من المستحيل أن تُكمل فيلمك.
هل تطلب هذه الجهات الاطلاع على محتوى الفيلم قبل الموافقة على التصوير؟
عمرو جمال: إلى الآن اعتمدت على الثقة التي بنيتها معهم لسنوات طويلة فلم يسألني أحد عن محتوى الفيلم، وساعدني أن أعمالي السابقة اجتماعية بالأساس حتى وإن ناقشت بعض الأمور الجدلية. لكني لا أضمن استمرار هذا الوضع مع محتوى "المرهقون" الصريح الذي قد يجعلهم يطلبون قراءة الأعمال المقبلة قبل تصويرها.
الفيلم يتفهم كل الشخصيات حتى من يقفون على الجانب الآخر من رغبات البطلين في التخلص من الجنين، فهل كان هذا مخططًا له في السيناريو؟
عمرو جمال: بالتأكيد، والمصدر هو الحكاية الحقيقية التي رأيت فيها كيف يمكن للواقع أن يضع الشخص أمام التساؤل الإنساني: هل أتمسك بقناعاتي الدينية وعاداتي وتقاليدي أم يؤثر على الضعف الإنساني لشخص قريب أو امرأة في ورطة؟ الحقيقة أن الجميع بدأوا يفتشون عن حل شرعي، بإيجاد فتوى ما تبرر لهم الإجهاض، حتى لو كانوا أنفسهم قد رفضوا التخلص من الطفل السابق.
الفيلم يحاول أن يطرح السؤال: إذا كان ثمن الاحتفاظ بالجنين هو تعاسته وتعاسة أسرته، فما هو الحل إذن؟ الخزعبلات المتوارثة تطمئن الناس بأن "الطفل يولد ومعه رزقه"، لكن هذا مجرد كلام مرسل لا علاقة له بالواقع. أما موقفي فهو واضح في مشهد تسأل الزوجة زوجها فيه: ماذا سنقول لأولادنا إذا عرفوا في المستقبل؟ فيرد: سنقول لهم أننا فعلناها من أجلهم.
أغلب مشاهد الفيلم مصورة في لقطة واحدة طويلة؟ لماذا أخذت هذا القرار؟ ولماذا لم تطبقه حرفيًا في بعض المشاهد التي شهدت قطع بين اللقطات؟
عمرو جمال: أنا شخص أقدس المكان، ولدي خوف مرضي من فقدان تراث مدينة عدن البصري، ووجدتها فرصة نادرة لتوثيق هذا التراث في فيلم سينمائي، لذلك كان كل مكان في الفيلم مخططًا من البداية للتصوير فيه. المكتبة التي يزورها الأبطال مثلًا هي أقدم مكتبة في الجزيرة العربية، صممنا أن نصور فيها ونبرز صور أجيال مؤسسيها الثلاثة بل وضعنا لافتة باسمها لم تكن موجودة في الواقع لنسجل وجودها في الفيلم بينما هي مهددة بالإغلاق.
قس على ذلك قرابة 95% من أماكن الفيلم كلها مهددة بالزوال، لذلك اهتممت بأن استخدم اللقطة الواحدة للتعبير عن واقعية المكان والبشر وشكل حركتهم داخل المدينة وحتى داخل البيوت. السينما ذاكرة الأمة ونحن بلد بلا ذاكرة، لذلك قمت بدوري في ذلك من خلال الفيلم. ربما يرتبط القرار أيضًا بحبي للمسرح وشكل المشهد فيه، لكني بالطبع لجأت للقطع عند الضرورة لأن الفيلم ككل أهم من الالتزام الكامل باستخدام اللقطة الواحدة.
كيف وصل "المرهقون" إلى برليناله؟
عمرو جمال: خلال عملية صنع الفيلم بدأ المشروع يكوّن سمعة دولية، ففاز بصناديق دعم مهرجانات كارلو فيفاري والبحر الأحمر ومالمو، وبدأت المهرجانات تبدي رغبتها في مشاهدته وبحث إمكانية عرضه، وهو ما تم بالفعل مع برليناله الذي دعانا للمشاركة في البانوراما.
وما انطباعك حتى الآن عن المهرجان؟
عمرو جمال: منبهر جدًا، فهي فرصة لمشاهدة أفلام لا يمكنك مشاهدتها كل يوم، وسط جمهور ضخم يقدس السينما، يعطيك شعورًا بأن تجربة المشاهدة الجماعية للأفلام في القاعات لن تموت، بما يمنحني بعض الاطمئنان وسط خوفي من تحول الجميع للمشاهدة عبر المنصات الإلكترونية. لكن برليناله يُثبت أنه من الصعب جدًا هزيمة السينما.
حاوره: أحمد شوقي
حقوق النشر: معهد غوته / رؤية 2023
أحمد شوقي ناقد سينمائي ومبرمج مهرجانات سينمائية ويشغل العديد من المناصب في صناعة السينما المصرية. كان عضوا في العديد من لجان تحكيم المهرجانات السينمائية ويكتب بانتظام عن السينما وصناعة الترفيه.