أسماء محفوظ: على مرسي أن يكون أقلّ مُحاباةً للنُخَب وأكثر إصغاءً للشعب
نشاطكِ في شبكات التواصل الاجتماعي جعلكِ من أبرز منظمي الثورة ضد نظام حسني مبارك. هل أنتِ راضية عن الوضع السياسي الراهن في مصر؟
أسماء محفوظ: لستُ كذلك تماماً. يجب أن نركز على صياغة دستور جديد يدافع عن كل المصريين ويحميهم. كما يجب علينا أن نوجّه أكبر قدر ممكن من الناس إلى التمعُّن في الدستور الجديد، وبالتالي دفع الإخوان المسلمين إلى سلوك الطريق الصحيح.
هل أنت مُنْضَوية، مع الناشطين الآخرين في ميدان التحرير، ضمن تنظيم سياسي؟
محفوظ: لا. لكننا نحاول تنظيم أنفسنا. من الصعب فعل ذلك، لأن الكثيرين يكرهون الإخوان المسلمين. بينما ينظر إليهم آخرون، وأنا منهم، بعين النقد ونحاول التأثير عليهم بشكل بنّاء.
ألا توجد تيارات ووجهات نظر متعددة داخل صفوف الإخوان المسلمين بمصر؟
محفوظ: عندما نتحدث مع أعضاء منفردين، فإننا نلاحظ أن لديهم نوايا حسنة، إلا أنهم لا يمتلكون صوتاً داخل الجماعة. فهم غير قادرين على تجسيد نواياهم، لأنّ مَن يقودون الإخوان المسلمين حالياً يسعون إلى تحقيق مصالحهم بالدرجة الأولى.
ولهذا قرَّر بعض الأعضاء إما ترك الإخوان المسلمين أو تأسيس مجموعة جديدة من أجل ترجمة أفكارهم السياسية على أرض الواقع. وعندما أقوم بانتقاد جماعة "الإخوان المسلمون"، فأنا لا أتحدث عن كل عضو فيها، بل أقصد بالتحديد قيادة الإخوان.
ما هو رأيك بالرئيس محمد مرسي في هذا السياق؟
محفوظ: لقد قابلتُه مرتين. إنه شخصية مهمة، لكنه بلا نفوذ حين يُنظَر إليه كفَرْد، وذلك نظراً لوقوعه تحت تأثير الإخوان المسلمين. أنا أدعو له بالتوفيق، مثلما على الجميع أن يدعوا له، لأنه رئيسنا في نهاية الأمر. وأنا أتعاون مع فريقه، فنحن نُطلِع الحكومة على نبض الشارع، ونقدم مقترحاتنا ونعرض أفكارنا.
كما أننا نساعد على المحافظة على همزة الوصل بين الشعب والحكومة. إن مرسي رئيس منتخب، على العكس من مبارك، ولهذا فنحن على الطريق الصحيح. لكن ما علينا القيام به بشكل مستمر هو دفعه والحكومة لاتخاذ القرارات الصحيحة.
ما هي برأيك أهم الخطوات التي تسعين إلى الضغط باتجاه اتخاذها؟
محفوظ: أولاً: يجب تغيير الدستور، لأنه يحابي الإخوان المسلمين على حساب التيارات السياسية الأخرى، التي يجب أن تُتاح لها فرصتها. ثانياً: يجب إقناع مرسي بأن الحكومة لا تمثل مصالح الإخوان المسلمين فقط، بل مصالح الشعب المصري بأكمله.
ثالثاً: يجب أن تسود العدالة الاجتماعية وتشمل كل الشعب، لا أن تكون حِكراً على بعض طبقات المجتمع فقط. حالياً، يتم تفضيل النُّخَب على حساب المواطنين العاديين، ولذلك يجب على الرئيس المصري مرسي أن يستمع لصوت الشعب أكثر.
ألا تقدِّم نهاية حقبة مبارك وانتخاب مرسي فرصاً أكبر أمام الشباب المصري لتحسين أوضاعهم الاجتماعية؟
محفوظ: بلى. لكن إذا رسّخ الرئيس هدف الحكومة المتعلق بهذا الأمر في برنامجه، فإنه سيكون بالتأكيد قادراً على خلق فرص عمل أكثر في البلاد.
أعتقد أن مصر تمتلك أموالاً كافية، لكن هذه الأموال لا توزَّع بطريقة صحيحة أو عادلة. كما لا توجد هناك شفافية، ولذلك نشعر وكأننا في "صندوق أسود".
لو افترضنا أن شاباً أراد تأسيس شركة أو البدء بمشروع خاص به، فهل سيكون قادراً على الحصول على الدعم المالي اللازم بسهولة؟
محفوظ: لا، فالفرصة الوحيدة للحصول على المال اللازم هي أن تكون له صلة بأوساط الحكومة. المشكلة ليست مرتبطة بالأزمة الاقتصادية، بل في المحاباة السياسية.
فلنأخذ على سبيل المثال مسألة الحد الأدنى للأجور، فمرسي يقول إنه لا يمتلك المال الكافي لدفع أجور مناسبة للجميع. وبينما يقول ذلك، يقوم أعضاء حكومته بحشو جيوبهم بأكبر قدر ممكن من المال. يمكن لمرسي إذاً خفض الأجور الحكومية المرتفعة وتوزيع المال بشكل أعدل.
إذاً فالتغيير الذي كنتِ أنتِ ونشطاء ميدان التحرير تأملون في تحقيقه لم يكن تغييراً في حقيقة الأمر؟
محفوظ: نحن في حاجة إلى المزيد من الوقت. لقد قمنا الآن بوضع حجر الأساس، وعلينا أن نكون أكثر مهارة وأن نستخدم سبلاً أخرى لإحداث التغيير.
كيف يفكر الناس في القاهرة حول الأحداث التي وقعت بالتزامن مع الفيلم المسيء للنبي محمد؟ عمَّ كان الناس يتحدثون أثناء الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية؟
محفوظ: لقد سمعنا عن عرض فيلم في أمريكا يسيء للنبي محمد. لقد أغضبنا ذلك بشدة، وأنا من ضمنهم. وعندما قمت بالبحث في وسائل الإعلام الأمريكية، تمكنت من إيجاد الفيلم، الذي كان في حقيقة الأمر مقطع فيديو دعائي للفيلم: مقطع سيّئ وخال من الذوق والمضمون.
لقد حاولت البحث عن موعد عرض الفيلم في الولايات المتحدة، إلا أنني لم أجد أية معلومات حول ذلك. لقد قام أحدهم بعمل ترجمة عربية للفيلم وتوزيعها في الإنترنت. بعد ذلك قررتُ تجاهل هذه الاستفزازات المتعمَّدة.
فمن أجل الدفاع عن النبي محمد، يجب أن نفكر وأن نتصرف مثله. لا أعتقد أن احتجاجات المسلمين الغاضبين كانت فكرة جيدة، لكن من حقهم أن يحتجوا في مظاهرات. وبدافع الفضول ذهبت إلى السفارة الأمريكية من أجل رؤية ما كان يحدث هناك.
هل سُمح للناس بالتظاهر أم أنهم مُنعوا من ذلك، مما أدى إلى مصادمات مع الشرطة؟
محفوظ: السفارة الأمريكية كانت دائماً محاطة بحراسة مشددة من قبل الشرطة. والسبب هو أنه من المعروف أن الولايات المتحدة في مصر، كما في كثير من الدول الأخرى، مكروهة بسبب سياساتها. وخاصة نظراً لما حدث، وما زال يحدث، في أفغانستان والعراق وإيران.
لكن حينما وصلنا إلى مقر السفارة في يوم الاحتجاجات، لم يكن هناك أي شرطي، وكان الكثيرون من المتطرفين والشباب يحتجون ويهتفون، وكانوا يطالبون بأن يقبل الأمريكيون الإسلام ونبينا محمد، وبعضهم كان يلوِّح بالعَلَم "الأسود" للإسلام في الماضي، الذي أعيد اكتشافه من جديد منذ أن بدأ الجهاديون باستخدامه. البعض بدأ بالرسم والكتابة على جدران السفارة بشكل غير قانوني، بينما تسلق آخرون الجدران وأحرقوا العلم الأمريكي.
ورغم كل ذلك لم تحضُر الشرطة، وهو أمر غير معتاد. لكن ذلك تغيَّر في اليوم التالي، إذ حضَر عدد كبير من عناصر الأمن وقاموا بمهاجمة كل مَن كان حاضراً، بدلاً من حمايتنا، نحن المدنيين. عدد المتظاهرين بدأ بالتزايد، وانتهى الأمر بحرب شوارع بين الشرطة والمتظاهرين.
كيف تختلف هذه الاحتجاجات عن تلك التي كانت تحصل في ميدان التحرير؟
محفوظ: في الحالتين كان الأمر يتعلق بنوعين مختلفين تماماً من الناس. لقد تحدثتُ مع المتظاهرين الذين كانوا أمام السفارة الأمريكية، وكان من الصعب إيجاد وجهات نظر مشتركة معهم. فالكثيرون منهم جاؤوا، على سبيل المثال، للانتقام من عناصر الشرطة بسبب هجوم سابق. وآخرون حضروا لأنهم يحتقرون الرئيس مرسي وعلاقة مصر بالولايات المتحدة.
أما البعض الآخر فعبروا عن غضبهم لأنهم يُحمِّلون أمريكا مسؤولية الفوضى السياسية في الشرق الأوسط، بينما، استسلم آخرون لسيل الاحتجاجات الجارِف. لقد اجتمع كل هؤلاء في ذلك المكان، ووسائل الإعلام صوَّرت الاحتجاجات على أنها حرب بين الولايات المتحدة والإسلام، وهو ما لا يتفق مع الواقع.
كيف كانت الأصداء على مواقع "تويتر" و"فيسبوك"؟
محفوظ: كثير من المصريين كانت لهم ردة فعل خاطئة على خبر مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، فهم فرحوا بذلك وكتبوا أنهم "انتقموا". لقد ذكّرتهم بتحريم الرسول مهاجمة أي شخص أعزل وبأن الأمريكيين في السفارة كانوا عُزَّلاً دون سلاح.
الأصداء على "تويتر" تراوحت بين أفكار الانتقام والغضب على ما يحصل في أفغانستان والعراق. لم يكن الإسلام موضع نقاش على الإطلاق، بل ما يفعله الأمريكيون في دول أخرى وما يخلّف ذلك من الضحايا الكثيرين. وهو موضوع كان حتى اللحظة من الممنوعات في وسائل الإعلام. لكن الربيع العربي جعل من الممكن الحديث عن ذلك.
أردتُ أن أوضّح لأصدقائي الأمريكيين ما يحصل فعلاً في مصر، لذا كنتُ أرسِل صوراً وتوضيحات لأصدقائي من الصحافيين، من أجل بيان أن هذا لا يعني حرباً بين أمريكا والإسلام، بل هو نوع من الانتقام بسبب سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، أظهرَت الاحتجاجات أننا نبني عالماً جديداً بعد الربيع العربي يحق فيه للمرء إسماع صوته.
لقد زار عدد قليل من المحتجين في مصر الولايات المتحدة. أما أنا فقد كنتُ هناك في السابق، ورأيتُ أنها دولة كبيرة وتضم أفراداً يختلف بعضهم عن بعض. لا يمكن إصدار الأحكام على الولايات المتحدة من خلال هذا الفيلم فقط، وأنا أعرف عمَّا أتكلم، لأنني شاركتُ في مؤتمرات عديدة حول الإسلام، ولأن الأمريكيين لا ينظرون إلى هذا الدين، من حيث المبدأ، بشكل سلبي. وحتى عندما يتصرف البعض بشكل معادٍ للإسلام، فإن من حقهم التظاهر بشكل سلمي، لأن ذلك يعني الحرية في نهاية الأمر.
أجرَت الحوار: نينا تسو فورستنبيرغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: ريسيت روك / قنطرة 2012
الناشطة والمدونة المصرية البارزة أسماء محفوظ إحدى مؤسسات حركة 6 أبريل الشبابية. ودخلت أسماء، البالغة من العمر 26 عاماً، مضمار المنافسة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كمرشحة مستقلة. وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2011 حصلت أسماء محفوظ على جائزة زاخاروف لحرية الرأي من البرلمان الأوروبي تقديراً لجهودها السياسية.