هل يصب هجوم حماس بمصلحة آلة الدعاية الروسية؟

مقاتلون من حركة حماس.
مقاتلون من حركة حماس.

منذ بداية هجوم حماس القاسي الكبير على إسرائيل رفضت روسيا الانحياز إلى أي طرف. ويحافظ الكرملين على علاقات جيدة مع طرفي الصراع، في حين تحمِّل موسكو الغرب مسؤولية التصعيد. استعلام يوري ريشيتو.

الكاتبة ، الكاتب: Juri Rescheto

العلم الإسرائيلي منكس على ساريته، باقة صغيرة من زهور القرنفل باللونين الأبيض والأزرق، الألوان الوطنية الإسرائيلية، يقصد الروس السفارة الإسرائيلية في موسكو للتعبير عن تعازيهم في ضحايا هجوم حركة حماس، المصنفة أمريكياً وأوروبياً وألمانياً وبشكل جزئي عربياً بأنها إرهابية. ضباط الشرطة يتفقدون وثائقهم الشخصية. الوضع هادئ في السفارة وكذلك الحال أمام ممثلية السلطة الفلسطينية في العاصمة الروسية.

العلاقات الروسية جيدة مع كلا الجانبين: الإسرائيلي والفلسطيني، بيد أنها وفي الوقت نفسه تحافظ على مسافة من كليهما، كما يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط رسلان سليمانوف، الذي يعيش في أذربيجان، في مقابلة مع دي دبليو: "لا تزال العلاقات تتمتع بالثقة بشكل جزئي، حتى بعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا، ما أدى إلى تدهورها مع إسرائيل إلى حد ما".

وفي هذا السياق، يستذكر سليمانوف تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مايو/أيار 2022. حينها، ادعى لافروف، في إشارة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن "أكثر المعادين للسامية ضراوة" هم عادة اليهود أنفسهم. وأدانت الحكومة الإسرائيلية تصريحات لافروف. وتحدث وزير الخارجية آنذاك، يائير لابيد، عن "تصريح فاضح لا يغتفر، وخطأ تاريخي فادح". ويلخص سليمانوف: "لكن ما حدث ليس عصي على الإصلاح".

 

المقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2017. Wladimir Putin und Benjamin Netanjahu Ende August 2017 in Sotschi Bild: picture-alliance/dpa/Sputnik/S. Guneev
العلاقات الروسية جيدة مع كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني: لكن في الوقت نفسه تحافظ موسكو على مسافة من كليهما، كما يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط رسلان سليمانوف، الذي يعيش في أذربيجان: "لا تزال العلاقات تتمتع بالثقة بشكل جزئي، حتى بعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا، ما أدى إلى تدهورها مع إسرائيل إلى حد ما". في الصورة داخل المقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2017.

 

اتصالات مكثفة مع حماس

الأمر نفسه ينطبق على علاقة الكرملين بحماس، التي صنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية: "لقد تكثفت هذه الاتصالات في الآونة الأخيرة. ويزور ممثلو حماس موسكو بشكل متكرر، آخر مرة كانت في مارس/آذار من هذا العام 2023". ويشكك الخبير في أن الكرملين كان على علم بالهجوم الكبير من قبل مسلحي حركة حماس الإسلامية المحاربة: "حتى المخابرات العسكرية الإسرائيلية كانت متفاجئة بالكامل. ولم يتم استبعاد مثل هذا السيناريو من حيث المبدأ في موسكو، لكن لم يتوقع أحد مثل هذا الحجم للهجوم".

وترى يلينا سوبونينا -وهي من كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية الذي ليس ببعيد عن الجيش والحكومة الروسيين- الأمر نفسه، إذ هي على يقين من أن قيادة الكرملين لم تكن تعرف بأمر الهجوم. وفي حديثها إلى دي دبليو، أعربت سوبونينا عن شكوكها في قدرة روسيا على تقديم مساهمة كبيرة في تجنب وقوع الهجوم.

والسبب في ذلك هو أن الكرملين لديه حالياً أولويات أخرى، وتحديداً فيما يتعلق "بجاره الغربي"، أي أوكرانيا. ومع ذلك، ترى سوبونينا أن موسكو "تبذل حالياً جهوداً" للتنسيق بالدرجة الأولى مع شركائها العرب، خاصة مصر والإمارات وقطر، وكذلك مع إيران. وتؤكد الباحثة السياسة في موسكو، أن روسيا لن تنحاز إلى أي طرف وستعمل ضد "الأنشطة الإرهابية".

وبالفعل أدانت موسكو رسميا التصعيد الحالي في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ووصفت وزارة الخارجية الروسية ذلك بأنه "نتيجة لحلقة مفرغة من العنف" ودعت إلى ضبط النفس.

 

 

أما "أبواق الكرملين" الذين يظهرون في وسائل الإعلام الموالية للحكومة يركزون على ثلاث أطروحات رئيسية: الأخطاء الغربية أدت إلى التصعيد، والحروب أصبحت من طبيعة الأمور، والروس الذين فروا إلى إسرائيل (بسبب الحرب ضد أوكرانيا) سيعودون الآن إلى روسيا.

إلقاء اللوم على "مجانين" الغرب

يرغب الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في تبني الفرضية القائلة بأن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، هو من يجب لومه عند الحديث عن هجوم حركة حماس، التي صنفها الاتحاد الأوروبي وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية بأنها إرهابية. ففي قناته على تيليغرام، يصف النائب الحالي لرئيس مجلس الأمن، الولايات المتحدة بأنها "اللاعب الحاسم".

وبذلك يربط ميدفيديف جيوسياسياً العدوان الروسي على أوكرانيا بما يحصل في الشرق الأوسط مؤكدا: "الصراع في الشرق الأوسط هو بالضبط ما كان ينبغي على واشنطن وحلفائها أن ينشغلوا به، ولكن عوضاً عن ذلك تدخل المجانين من واشنطن بشؤوننا عن طريق مساعدة النازيين الجدد وتأليب الشعبين القريبين من بعضهما (الروسي والأوكراني) بعضهما ضد بعض".

 

 وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عام 2015 في قطر مع خالد مشعل أحد مؤسسي حركة حماس.  Der russische Außenminister Lavrov und Hamas-Führer Khaled Mashal im August 2015 in Katar Bild: picture-alliance/dpa/A. Shcherbak
"يزور ممثلو حماس موسكو بشكل متكرر": يشكك الخبير يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط رسلان سليمانوف في أن الكرملين كان على علم بهجوم حماس على إسرائيل: "حتى المخابرات العسكرية الإسرائيلية كانت متفاجئة بالكامل. ولم يتم استبعاد مثل هذا السيناريو من حيث المبدأ في موسكو، لكن لم يتوقع أحد مثل هذا الحجم للهجوم". في الصورة داخل المقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عام 2015 في قطر مع خالد مشعل أحد مؤسسي حركة حماس.

 

ولا يأخذ الخبير في شؤون الشرق الأوسط، رسلان سليمانوف، كلام ميدفيديف على محمل الجد: "ميدفيديف بعيد كل البعد عن الواقع وليس له أي تأثير منذ فترة طويلة. ورغم هذا فإن ميدفيديف يمثل على وجه التحديد وجهة نظر الكرملين بأن الغرب يتعمد إثارة مثل هذه الصراعات. لكن هذه مجرد نظرية مؤامرة لأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي له في الواقع أسباب مختلفة تماماً".

وبدلاً من ذلك يرى سليمانوف أن الكرملين يستفيد من الناحية الفعلية من تصاعد العنف في الشرق الأوسط ويقول بهذا الخصوص: "إن الهجوم على الأقل يصرف الانتباه عما يفعله الجيش الروسي في أوكرانيا. ويستعمله الكرملين للاستهلاك الدعائي المحلي في داخل روسيا. معظم الروس ليسوا مهتمين بالصراع؛ إذ أنه بعيد عنهم ومعقد جداً".

قد يكون هذا صحيحاً بالنسبة للأغلبية، ولكن ذلك لا ينطبق على جميع الروس، وإلا لما كانت هناك زهور أمام السفارة الإسرائيلية في موسكو ولما كانت تقف أمامها امرأة تحمل لافتة مكتوب عليها "لا للإرهاب". ومع ذلك لم تدم وقفتها طويلاً: فقد اعتقلتها الشرطة، وفق تقارير إعلامية.

 

 

يوري ريشيتو

ترجمة: خ.س

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

ar.Qantara.de