لماذا يغادر مهاجرون سوريون أوروبا للعيش في مصر؟
بعد 10 سنوات منذ هجرته إلى ألمانيا يبدو الطبيب السوري "عبدالله" -اسم مستعار- عازما على مغادرة العاصمة الألمانية، ليس عائدا إلى مسقط رأسه في حلب بسوريا، بل ذاهبا إلى مصر التي تحولت إلى وجهة استقرار للمهاجرين السوريين من حاملي الجنسيات الأوروبية.
فقد انتقل زميله قبل أشهر بأسرته من برلين إلى القاهرة أسوة بعدد من الأسر السورية التي تركت دولاً مثل السويد وألمانيا وتركيا، بحسب ما وثقه موقع "مهاجر نيوز" خلال العام الماضي 2023.
لهذا بدأ طبيب الأسرة الشاب معادلة شهادته كطبيب لطب الأسرة كي يتمكن بسهولة من العمل في القاهرة عند انتقاله، ثم ينتظر الآن زيارة أولى حاسمة لمعايشة الوضع في بداية هذا العام 2024، "قد يسحرنا الوضع ونبقى هناك"، يقول عبدالله وهو اسم مستعار اختاره لنفسه، لـ"مهاجر نيوز".
أما ياسمين خليفة فقد غادرتها بالفعل في أغسطس/أب الماضي 2023 برفقة زوجها طبيب الأسنان وطفليهما بعد أن أمضيا 15 عاما في ألمانيا. تقول لـ"مهاجر نيوز: "لم يعد شيء متمسك بي لتواجدي هنا.. رغم كفاحنا للاندماج طوال السنوات الماضية حتى حصولنا على الجنسية الألمانية، إلا أننا نشعر بأننا غير مرحب بنا، ونتعامل كأجانب".
كان لدى ياسمين وزوجها دوافع أخرى للمغامرة بالهجرة مجددا، "مستوى المدارس في ألمانيا في تراجع، فضلا عن رغبتي في الحفاظ على هويتهما (طفليها) العربية"، تضيف ياسمين.
كان أمامها خياران: إما الإمارات حيث تعيش عائلتها، أو مصر التي درس فيها زوجها الطب لمدة 6 سنوات قبل قدومه إلى ألمانيا. استقر الاثنان في نهاية المطاف على مصر: "أم الدنيا" كما يُعرفها شعبها.
ومع استقرارها على مدرسة ألمانية في القاهرة الجديدة لإلحاق ابنيهما حزمت الأسرة حقائبها وانتقلت إلى القاهرة: "لم نلحق نحضر شيء، وانتقلنا قبل أسبوع من بداية مدرسة الأولاد".
وصلت ياسمين لأول مرة إلى القاهرة برفقة أطفالها، تقول عن شعورها: "نعم لم آتِ من قبل إلى القاهرة لكني تخيلت الحياة هنا وعرفتها من السوشال ميديا، حتى في الواقع تحس حالك مرحب فيك ويضمونك إلى المجتمع، هذا ما (لم نشعر) به في ألمانيا".
الآن يعمل الزوج على افتتاح عيادته الخاصة بالقاهرة، فيما تبحث ياسمين عن عمل كمدرسة رياضيات بإحدى المدارس الألمانية.
"تحدي التأقلم"
رغم مضي السنوات على الهجرة الكبرى للسوريين إلى أوروبا والاستقرار في مجتمعاتهم الجديدة يجد بعضهم نفسه أمام تحدي التأقلم طويلا مع الثقافة الغربية، فيفكرون في الانتقال إلى الهجرة لبيئة قريبة من ثقافتهم، بحسب ما يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة المصرية-اليابانية لموقع "مهاجر نيوز".
وعن اختيارهم لمصر يقول صادق إن المصريين يعتبرون السوريين الأقرب إليهم أكثر من أي مجتمع عربي آخر، فطالما جمعتهما روابط تاريخية منذ هجرة السوريين إلى مصر في القرن التاسع عشر ثم بعد ذلك الوحدة السياسية التاريخية بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة (1958- 1961).
بدورها تقول نائبة مدير مركز "لايبنيز" للشرق الحديث في برلين، الدكتورة سونيا حجازي، إن مصر باتت تحتضن مجتمعاً سورياً نابضاً بالحياة، وجد معظمه عملاً في سوق العمل الرسمي وغير الرسمي. كما يُكِنّ معظم المصريين تقديرا كبيرا لجيرانهم السوريين وتفهموا ما عانوه بسبب الحرب، بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد حاجز لغوي أو ثقافي مثل الموسيقى والطعام السوري، تضيف حجازي.
تستضيف مصر نحو 9 ملايين مهاجر من جنسيات مختلفة، بينهم أكثر من 1.5 مليون سوري. وصنفت منظمة الهجرة -في تقريرها عام 2022- السوريين (17% من أعداد المهاجرين بمصر) كأفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل المصري، حيث يقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري -مُسجل في مصر- بنحو مليار دولار.
وعزز ذلك المعاملة السخية التي يقدمها المصريون للمهاجرين واللاجئين مثل إدراجهم في النظم الوطنية للتعليم والصحة، على قدم المساواة مع المصريين.
يقول صادق: "يمكنك أن ترى فارق تعامل المصريين مع المهاجرين واللاجئين مع البلاد الأخرى، لا توجد خيام ولا عنصرية مثلما يحدث للسوريين أنفسهم في تركيا أو لبنان أو حتى دول الخليج".
حرب غزة تخلق خيبة أمل عربية جديدة تجاه الغرب
بالتوازي مع تلاشي احتمالات تطبيع علاقات إسرائيل ودول عربية نظرا لتزايد الغضب الشعبي من القصف الإسرائيلي لغزة: هل يهدد هذا السخط في الشرق الأوسط باندلاع موجة تشدد وتطرف جديدة؟ استنتاج كاثرين شير.
"عدتُ إلى بيئة تشبهني"
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2023 نشرت رائدة الأعمال السورية-الألمانية الشابة نعمة البحري فيديو لها جذب آلاف المشاهدات على حسابها عن إنستغرام تحكي تجربتها بعد 4 أشهر من هجرتها إلى مصر: "رجعت إلى بيئة تشبهني.. لا أعرف كيف تجرأت واتخذت القرار!!.. لكني سعيدة بما فعلته".
بعد نشرها الفيديو فوجئت البحري بوابل من الرسائل من متابعيها من السوريين في أوروبا يستفسرون عن طرق وتكلفة الانتقال إلى مصر. "وجدت أن كثير من السوريين يرغبون في المجيء إلى هنا"، تقول لموقع "مهاجر نيوز".
أما هي فقد أقنعها زوجها غياث بالانتقال إلى القاهرة بعد فشل تجربة العيش في تركيا، "قلت لزوجي لا أريد العودة إلى ألمانيا مجددا".
في عام 2014 التقت نعمة بخطيبها لأول مرة في ليبيا قبل أن يغادرا سويةً عن طريق البحر إلى أوروبا في ذات العام ويتزوجا في ألمانيا. منذ ذلك الحين تعلَّم الاثنان اللغة الألمانية واندمجا في الحياة بألمانيا في الأعمال الحرة، إذ عملت هي كمحررة بجريدة محلية في مدينة بوخوم بولاية شمال الراين ويستفاليا، فيما افتتح زوجها مخبزا لصنع وبيع الكعك، قبل أن تخسر هي عملهما بسبب تداعيات جائحة كورونا، فيما أغلق الزوج مخبزه.
لم يستسلما. درست الشابة العشرينية صناعة الصابون الطبيعي والمنتجات الأورجانيك حتى فتحت خط إنتاجها الخاص وأسست شركتها الصغيرة بعد ذلك، فيما افتتح هو أيضا مقهى ذاع صيته في مدينة بوخوم الألمانية.
ورغم ذلك قررت نعمة الانتقال إلى مصر "شعرتُ بهويتي العربية رغم أنها أول مرة لي هنا.. وأريد أبنائي أن يتربوا على تلك الهوية". في الوقت نفسه تخشى على طفليها من الأمور الجدلية في المدارس الألمانية والمخالفة للثقافة الدينية الإسلامية مثل النوع الاجتماعي، والمثلية الجنسية أو أن يتم سضحب حضانتهما منها. في أبريل/نيسان الماضي 2023 أثار سحب شرطة مدينة بريمرهافن الألمانية لطفل عنوة من عائلته المسلمة -بالتعاون مع "مكتب رعاية الناشئين" الـ"Jugendamt"- العديد من الانتقادات ومخاوف للعائلات المهاجرة. كما تثير دائرة الخدمات الاجتماعية "السويسال" في السويد ضجة كبيرة في تلك الإشكالية.
تخطط الآن نعمة وزوجها في توسعة تجارتهما في مصر، تقول بثقة: "قادرون على صناعة شيء جديد في مصر، مثلما فعلناها في ألمانيا".
سوريون مشاركون في اختيار خليفة ميركل
قفز عدد السوريين الحاصلين الجنسية الألمانية بنسبة 74 بالمئة في عام 2020 إلى 6700 مُجَنَّس على مستوى ألمانيا. وثمة لاجئون سوريون يصوتون لأول مرة في انتخابات 26 / 09 / 2021 التي لن تخوضها ميركل إثر تخليها طوعا عن المنافسة بعد 16 في السلطة. لاجئون ممتنون لميركل لكنهم لا يشعرون بالتزام لدعم حزبها.
"مناخ إسلامي آمن"
لكن مخاوف الطبيب "عبدالله" ذهبت أبعد من ذلك. يقول إن "المزاج العام والمناخ السياسي في ألمانيا -خاصة بعد اندلاع حرب غزة الجارية الآن وما ينتظرنا كمهاجرين مسلمين- لم يعد مشجعا على البقاء هنا". وقال الطيب السوري-الألماني: "أريد لأطفالي أن يعيشوا في مناخ إسلامي آمن".
تعلق نائبة مدير مركز "لايبنيز" للشرق الحديث سونيا حجازي، بأن "البيئة السياسية في ألمانيا قد تكون مثيرة لقلق الجاليات العربية المسلمة في أعقاب الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل".
وأضافت "على الرغم من أن الحكومة الألمانية تقول إنها بحاجة ماسة إلى هذه الطبقات من المهاجرين المتعلمين لم يتم فعل أي شيء على مستوى الولايات لمنحهم رؤية إيجابية في الأماكن العامة - بل على عكس ذلك كان العديد من الأشخاص من أصل عربي هنا في ألمانيا مستائين من الدعوة العامة التي وجهها الرئيس فرانك فالتر شتاينماير في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2023 للنأي بأنفسهم بوضوح عن معاداة السامية وجماعة حماس المتشددة".
وأشارت أيضا إلى أن الأحزاب اليمينية في أوروبا تفوز بالمزيد والمزيد من الانتخابات وتزداد قوة، وهو ما يترتب عليه زيادة المواقف المعادية للأجانب وكراهية الإسلام والعرب، ويمكن أن يشمل هذا أيضًا المسيحيين العرب". وقالت: "قد لا يشعر الناس بالراحة بعد الآن حتى في التحدث باللغة العربية بالشوارع".
محمد مجدي - برلين
حقوق النشر: مهاجر نيوز 2024
Qantara.de/ar