كيف فاقم قانون الجمعيات الجديد محنة النشطاء الحقوقيين؟
تلقى المجتمع الحقوقي في مصر ضربة موجعة هذا الأسبوع، وذلك بعد إعلان الشبكة العربية لحقوق الإنسان عن توقيف نشاطها بسبب "غياب الحد الأدنى من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان" إثر استمرار الملاحقات الأمنية والتهديدات ضد فريق الشبكة في مصر. وجاء هذا التطور بعد "محاولات السلطات المصرية توظيف عدد من أعضاء فريقها بالقوة، كمخبرين وجواسيس ضد الشبكة"، كما يقول المحامي المعروف ومؤسس الشبكة جمال عيد في حديثة مع مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية.
القرار جاء في اليوم الأخير من الأجل الذي حددته السلطات المصرية للمنظمات غير للحكومية، أو الجمعات الأهلية حسب الوصف المحلي، لأجل تسوية وضعها القانوني تحت قانون جديد مثير للجدل خاص بهذه المنظمات، وهو القانون الذي من المنتظر أن يدخل حيز النفاذ هذه السنة.
تمّ إعداد هذا القانون عام 2019 ويضع معايير صارمة لعمل المنظمات المدنية كما يعطي صلاحيات كبيرة للسلطات حتى تراقب وتتحكم في عمل هذه المنظمات وكذلك في تمويلها، كما يمنعها من التعاون مع المنظمات الأجنبية ومن إنجاز استطلاعات رأي أو نشر نتائجها دون إذن حكومي.
وأكثر ما أثار النقاش، هو منع هذه المنظمات من أيّ عمل "سياسي" من شأنه أن "يهدّد الأمن القومي"، وهو ما يعتبره متابعون بندا فضفاضاً قد يمنع أنشطة هذه المنظمات تحت اجتهادات من السلطة. ويضع القانون عقوبات مالية باهظة في حال خرق بنوده قد تصل إلى مليون جنيه مصري حوالي (52,500 ألف أورو).
أهم الملاحقات والانتهاكات الفظة التي تعرضت لها الشبكة العربية وفريقها، وجعلتها تعلن إيقاف نشاطها بدءا من اليوم 10يناير2022.https://t.co/ld3d8ApFZI pic.twitter.com/oHzLtdCkHz
— ANHRI-الشبكة العربية (@anhri) January 10, 2022
الدولة المصرية تدافع عن قانون الجمعيات الجديد
في بيان مشترك، طالبت 17 منظمة مصرية ودولية، منها معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، البرلمان المصري بسحب هذا القانون، والعمل المشترك مع المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان لأجل صياغة إطار قانون جديد يضمن حرية تكوين الجمعيات بما يتوافق مع القوانين والمعايير الدولية.
لكن السلطات المصرية ترفض الانتقادات الدولية، ويقول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن القانون الجديد "سيحمي حقوق الإنسان وسيتيح تأسيس المنظمات غير الحكومية من خلال تقديم إشعارات للسلطات بدلا من الحصول على إذن حكومي"، متحدثا في كلمته بالمونديال العالمي للشباب عن أن هذا القانون يندرج في سياق مقاربة تدبير مجال حقوق الإنسان في مصر.
ومن المفارقات أن آخر أجل لتسجيل المنظمات في إطار القانون يأتي أياما قليلة قبل إحياء الذكرى الـ11 للثورة المصرية التي يحييها المصريون يوم 25 يناير، ففي هذا اليوم من عام 2011، أدت المظاهرات الواسعة إلى تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ودخلت مصر في فترة حكم المجلس العسكري لمدة 18 شهرا، وشهدت صيف 2012 تنظيم أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، فاز فيها مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، لكن عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، قاد انقلابا عسكريا مدعوما من فئات واسعة في مظاهرات 30 يونيو 2013، قام من خلاله بعزل مرسي، وتحول لاحقا إلى رئيس للبلد في انتخابات 2014، وأعيد انتخابه عام 2018.
وشهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تراجعا كبيراً في حقوق الإنسان، من أكبر أوجهه ارتفاع أعداد المعتقلين السياسيين والصحفيين، وتضع لجنة حقوق الإنسان مصر ضمن أكثر الدول سجناً للصحفيين في العالم.
وترى حفصة حلاوة، وهي باحثة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن قرار الشبكة العربية لحقوق الإنسان، هو نتيجة لسنوات من الهجمات ضد المجتمع المدني في مصر.
رسالة إلى بقية المنظمات الحقوقية العاملة في مصر
وتقول حلاوة: "في الوقت الذي يعدّ فيه القانون عاملاً مساهما، فالأجواء التي أُجبرت فيها المنظمات الحكومية على العمل خلال العشرية الأخيرة كانت خطيرة، ونوايا النظام -التي ظهرت في الحملات والاحتجاز والتحقيقات القضائية بدلاً من الإغلاق القسري- كانت تدفع عدد من هذه المنظمات نحو اتخاذ قرارات مشابهة وتوقيف أنشطتها بنفسها". كلام الخبيرة يظهر في قرارات اتخذتها منظمات حقوقية منذ مدة بمغادرة القاهرة، والاعتماد على تقارير ومعطيات الشبكة العربية لحقوق الإنسان ونشطاء حقوقيين في الميدان.
"إغلاق الشبكة العربية لحقوق الإنسان وهي واحدة من أقدم منظمات حقوق الإنسان في مصر ومن أكثرها مصداقية، يعدّ مثالاً على التهديد المتواصل الذي تعيشه هذه المنظمات، يقول حسين بيومي، باحث في الشأن المصري بمنظمة العفو الدولية في حواره مع دويتشه فيله.
ويعرب بيومي عن أمله في أن يواجه المجتمع الدولية حملات "القمع الشرسة" في مصر، عبر إجراءات منها آلية للرصد والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في مصر في جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس / آذار القادم. ويتحدث أنه في حال عدم وجود هذا الضغط، فلن تكون الشبكة العربية لحقوق الإنسان ANHRI الوحيدة التي ستوقف نشاطها.
"العمل الحقوقي المستقل صارا تقريبا مستحيلا في مصر"
هذا ما تقوله هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي الأخير، مطالبة قادة الغرب "بعمل أفضل" ضد الأنظمة الأوتوقراطية. ويشدد ممثل من المنظمة أنه على المجتمع الدولي "ألا يسمح للسلطات المصرية بتدمير المجتمع المدني، الذي كان نابضا بالحياة، دون دفع الثمن".
وفضلا عن منظمة لاين ديفيندرز، ومقرها دبلن، فان الشبكة العربية لحقوق الإنسان كانت شريكا رئيسياً ومصدرا ذي مصداقية، وكانت تتواصل مع المنظمات الدولية حول قضايا نشطاء حقوق الإنسان الأكثر تهميشا وغير المعروفين لدى بقية المنظمات الدولية.
يذكر أن مصر أعلنت عام 2022 عاما للمجتمع المدني، كما أعلن الرئيس السيسي عن "استراتيجية وطنية لاحترام حقوق الإنسان"، لكن الوضع لا يبدو مبشرا.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة يرفض جمال عيد التوقف عن الدفاع عن حقوق الإنسان ويقول : "سأعمل محامياً مستقلاً في القضايا المتعلقة بسجناء قضايا الرأي والتعبير، كحمد أكسجين وعمر إمام والعشرات من المعتقلين الشباب غير المعروفين، من مدن أخرى غير القاهرة بالضرورة".
ويضيف المحامي والناشط المعروف أن إيقاف عمل الشبكة العربية لحقوق الإنسان ليس هزيمة أو استسلاما، بل هي استراحة محارب حسب تعبيره، مضيفا أنه "لا يمكننا الاستسلام للديكتاتورية والحرمان من دولة العدل وحقوق الإنسان".
جينفير هوليس/إ.ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 2022
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة
الأنظمة العربية.... من مشاريع قومية الى مزارع عائلية
الثورات المضادة أحدثت انتكاسة هائلة في العالم العربي
عودة مصر إلى العسكريتاريا الشعبوية: مصر من ثورة يناير إلى الإخوان ثم السيسي