لماذا ازداد عدد الأتراك اللاجئين إلى ألمانيا؟
يُقبض على أعداد متزايدة من المهاجرين والمهربين الذين يحملون الجنسية التركية على حدود ألمانيا. وهذا ما تُظهره البيانات الواردة من الشرطة الفيدرالية الألمانية، المقدمة رداً على استفسارات وسائل الإعلام. ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 فحسب، ألقى ضباط الشرطة الألمانية القبض على 5362 مواطناً تركياً على الحدود بعد دخولهم ألمانيا بشكل غير قانوني. بينما كان كامل عدد من ألقي القبض عليهم في عام2021، 2531 مواطناً تركياً. وفي عام 2020، حين كان السفر مقيّداً بسبب كورونا، كان العدد 1629.
وفقاً للشرطة الفيدرالية في ميونيخ، كان عدد اللاجئين الأتراك الذين وصلوا بين كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر من عام 2022، أكثر بأ 254% من الفترة ذاتها في عام 2021. بينما وصلت الزيادة إلى 368% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020. كما ازداد عدد المهربين الذين يحملون الجنسية التركية. ووفقاً للشرطة الفيدرالية، قُبِض على 185 منهم في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022. بينما قُبض على 111 من المهربين في عام 2021 بأكمله، و56 في عام 2020.
وتوضّح البيانات أنّ اللاجئين يأتون إلى ألمانيا عبر طريق البلقان، بتكلفة تتراوح بين 6000 يورو إلى 8000 يورو للشخص الواحد. فلماذا يقوم المزيد والمزيد من الناس من تركيا بهذه الرحلة الخطرة؟
البحث عن الأمل
تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في تركيا بشكل سريع خلال العام الماضي 2022. وأقرّت الأغلبية الحكومية في البرلمان مؤخراً قانوناً ينصّ على أحكام بالسجن تصل إلى 3 أعوام لنشر معلومات "كاذبة" أو "مضلّلة". ويقرّر المدعون العامون المؤيدون للحكومة ما إن كانت الأخبار كاذبة أو مضلّلة. يرى النقّاد أنّ ما يُسمى بقانون مكافحة التضليل الإعلامي عبارة عن محاولة أخرى لتقويض حرية التعبير وحرية الصحافة، ولا سيما في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا في أوائل صيف عام 2023.
وتُستهدف، بصورة متزايدة، الجمعيات المهنية التي لا تتبع خط الحكومة، من قبل القضاء التركي. قُبِض على شبنَم كورور فينانجي، رئيسة المجلس المركزي للجمعية الطبية التركية (TTB) والحائزة على جائزة Hessian Peace Prize، في نهاية تشرين الأول/أكتوبر من عام 2022، واتُّهِمت بنشر دعاية إرهابية. فالجمعية الطبية التركية، تكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وتنتقد الحكومة بشكل علني.
كما أنّ التضخّم المتسارع يجعل الحياة أكثر صعوبة لشعب تركيا. وفقاً للأرقام الرسمية، كان معدّل التضخم في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2022، 85.5%، ولكن وفقاً لشركة بحث إنا غروب (ENAGrup)، وهي مجموعة مستقلة من الخبراء، فمعدّل التضخم الحقيقي يزيد عن 185%. تتضاءل القوة الشرائية؛ العديد من الناس، حتى الذين يعملون، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية. والشباب على وجه الخصوص محبطون. فقد أظهرت دراسة حديثة أنّ أكثر من 71% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاماً لا يمكنهم رؤية مستقبل في البلد. وما يقرب من 82% سيغادرون تركيا ويعيشون في الخارج إن تمكّنوا من ذلك. وتذكر الجمعية الطبية التركية أنه إلى أيلول/سبتمبر 2022، تقدّم حوالي 2000 طبيب بطلب للحصول على شهادة توظيف للعمل في الخارج.
يقرُّ دوندار كيلوغلو، محامي وعضو مجلس إدارة مجلس اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى، بأنّ تدفّق اللاجئين من تركيا يتزايد. يقول: "يقول لنا اللاجئون الشباب على وجه التحديد إنهم لا يرون مستقبلاً في وطنهم، ولا أمل لديهم".
في منتصف شهر أيلول/سبتمبر، ألقت الشرطة الفيدرالية، في مدينة روزنهايم في جنوب ألمانيا، القبض على ستة شبان تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً دفع كل واحد منهم حوالي 8000 يورو من أجل السفر في شاحنة من تركيا إلى النمسا. أخبروا ضباط الشرطة أنهم يريدون التقدم بطلب للحصول على اللجوء، والعمل وكسب المال في ألمانيا. لكن الوضع الاقتصادي السيء في بلدهم الأصلي لا يشكّل أساساً للجوء، لكن الشباب لم يكونوا على علم بذلك. لم يكن أحد قد أعدّهم من أجل إفادتهم للسلطات الألمانية.
طلبات اللجوء: الأتراك في المرتبة الثالثة
وتوضح حالة أخرى، في بلدة كرويت، مدى قلة اهتمام المهربين بما يحدث للاجئين. وكرويت هي بلدة بافارية على الحدود النمساوية-الألمانية، وهي مكان صغير حيث يجذب الغرباء الانتباه سريعاً. وكانت المجموعة مؤلفة مما يزيد عن 11 غريباً، من بينهم 5 بالغين و6 أطفال تتراوح أعمارهم بين عام واحد و13 عاماً. لجأوا إلى مطعم للوجبات السريعة كان لا يزال مفتوحاً في وقت متأخر من الليل. أبلغ موظف الشرطة عنهم. وأكّد الضباط لاحقاً أنّ اللاجئون كانوا أكراداً من تركيا، جرى إنزالهم بمجرد عبورهم الحدود.
وتنعكس حركة اللاجئين هذه من تركيا في إحصاءات اللجوء. وفقاً للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/أكتوبر من عام 2022، تقدّم ما يقرب من 1600 شخصاً تركياً للحصول على اللجوء في ألمانيا، بزيادة تقدّر بـ 175.5%. بالنسبة لغالبهم، كان هذا الطلب هو الأول لهم. تركيا الآن هي ثالث أكثر الدول، بعد سوريا وأفغانستان، تقديماً لطلبات اللجوء.
ولم يكن هذا مفاجئاً لكلارا بونغر، النائبة في البرلمان الألماني (البوندستاغ) عن الحزب اليساري والتي تستفسر بشكل منتظم عن أرقام اللجوء. وتعتقد أنّ تزايد حركة اللاجئين من تركيا تشير إلى أنّ الوضع السياسي هناك يتفاقم أمام معارضي الحكومة. وتقول إنّ القمع يتزايد، كما أنه يزداد خطورة بالنسبة للأكراد على وجه الخصوص.
ويتوقع خبراء مثل المحامي دوندار كيلوغلو استمرار ارتفاع أعداد اللاجئين من تركيا. لأنه مع اقتراب الانتخابات، لا يتوقع أي أحد أن يهدأ الوضع السياسي، ولا يوجد أي تحسّن في الأفق بالنسبة لاقتصاد تركيا المتعثّر.
إلماس توبتشو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2023
حقوق الترجمة: موقع قنطرة 2023