صيف سياحي واعد بأرقام قياسية رغم التحديات
في ظل ارتفاع الأسعار الذي يثقل كاهله، يحدو أحمد سمير، الذي يعمل في أحد المنتجعات في مدينة شرم الشيخ المصرية، الكثير من الأمل في أن يكون الموسم السياحي المقبل مزدهرا لعله يعينه على تحمل وطأة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويقول في مقابلة مع دويتشه فيله عربية إن "الموسمين الماضي والحالي كانا رائعين بالنسبة لشرم الشيخ والغردقة وحتى الأقصر وأسوان. كانت هناك نسبة أجانب مرتفعة ومازالت الأفواج السياحية تأتي إلى مصر سواء عربية أو أجنبية"، مشيرا إلى أن جميع رفاقه في المنتجع يبذلون أقصى الجهد استعدادا للموسم السياحي الجديد.
في الصيف الثاني لرفع قيود السفر التي فرضتها جائحة كورونا، تتطلع بلدان شمال إفريقيا لموسم سياحي واعد، بما يمكّنها من العودة إلى أرقام ما قبل الجائحة أو حتى تجاوزها، بما في ذلك عام 2019 الذي شهد انتعاشة سياحية ضخمة، وهو أمر إن تحقق فسيتيح تعويض خسائر الاقتصاد السياحي الذي تضرّر بشكل غير مسبوق إبان سنتي الجائحة.
مصر.. طموحات كبيرة
تشكل السياحة مصدرا مهما للنقد الأجنبي وسوق العمل في مصر بإيرادات بلغت حوالي 11 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو/ حزيران العام الماضي 2022 ما يشكل ارتفاعا عن إيرادات عام 2021 والتي بلغت 4.86 مليار دولار.
تزامن هذا مع تخطيط مصر إلى زيادة عدد الزائرين إلى 30 مليون سائح سنويا أي أكثر من ضعف أعلى رقم حققته البلاد والذي بلغ قرابة 15 مليونا عام 2010. وفي إطار خططها لتطوير القطاع السياحي، قامت الحكومة المصرية باستثمارات ضخمة للرفع من الطاقة الاستيعابية للفنادق فضلا عن حملات ترويجية وتطوير الطيران.
ويقول مجدي صادق، عضو غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة باتحاد الغرف السياحية، إن "الاستعدادات للموسم المقبل جيدة خاصة في المنتجعات المطلة على البحر الأحمر والمتوسط وأيضا تحسين البنية التحتية وتسهيل إجراءات الدخول إلى مصر".
ويتابع: "قامت مصر بتوسيع وتسهيل الحصول على تأشيرات الدخول إلى مصر وفي بعض الدول الاتحاد الأوروبي يمكن أن يصل السائح بالبطاقة الشخصية (بطاقة الهوية) من غير جواز سفر".
لكن السياحة المصرية تعاني من عدة تحديات، حددتها شركة إيطالية أعدت الاستراتيجية الوطنية للسياحة المستدامة في مصر، منها: تحديات الموارد البشرية وسلوكيات الأمن والسلامة ومحدودية استخدام التكنولوجيا. كما تشير عدة تقارير إلى مشاكل كبيرة في تسويق الوجهة المصرية، وكون التسويق لا يزال يقدم صورة نمطية عن مصر.
المغرب.. تطور نوعي
وفي المغرب، أعلنت وزارة السياحة عن استراتيجية جديدة، رصدت لها مبالغ ضخمة بهدف جلب 17.5 مليون سائح بحلول 2026. وتظهر أرقام هذا الموسم إيجابية للغاية، إذ ذكرت الوزارة ذاتها أن حوالي أربعة ملايين سائح زاروا المغرب في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023، بارتفاع قدره 13 في المئة عن عام 2019.
ويؤكد مصطفى مفيد، رئيس الجمعية المغربية لخبراء وعلماء السياحة، لـ دويتشه فيله عربية، أن الأرقام تؤكد وجود ارتفاع في عائدات القطاع خلال هذه الفترة بـ40 في المئة عن مثيلتها في عام 2019، ما يعطي إشارات لتحقيق رقم قياسي بالوصول إلى 15 مليون سائح، متابعاً أن عدداً من الوجهات داخل المغرب، كمراكش وطنجة، لم تعد موسمية، وباتت تستقبل السياح على طول العام.
ويرجع الخبير ذاته هذه الانتعاشة السياحية إلى عدة عوامل، منها الأثر الإيجابي لإنجاز المنتخب المغربي في مونديال قطر وما خلقه ذلك من ترويج للمغرب، والاهتمام المتجدد من أسواق خارجية كإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وتوجد مؤشرات على نمو أعداد السياح الوافدين على المغرب لاكتشاف حضارته.
يضاف إلى ذلك تطور أرقام سياحة مغاربة العالم، وتطور النقل الجوي نحو المغرب، إذ من المتوقع فتح 35 خطاً جديداً نحو المغرب، وكذلك تحسن أرقام السياحة الداخلية، خصوصاً مع الصعوبات التي يجدها المغاربة في الحصول على تأشيرات للسياحة في الخارج.
ومن أكبر التحديات التي تواجه السياحة المغربية ما يتعلق بالخدمات الموجهة لمغاربة الخارج، الذين يشكلون حوالي نصف عدد السياح الذين يزورون المغرب، إذ يتمتع المغرب بجالية ضخمة تقدر بحوالي 6 ملايين مغربي.
ويعاني الكثير من هؤلاء المغاربة -خصوصاً في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبعض دول الخليج- من عدم الحصول على تذاكر بأسعار معقولة، ولم تفلح شكاويهم في حل المشكلة، إذ يتجاوز ثمن التذكرة الواحدة من بعض المطارات ألفي دولار. كما ارتفعت الأسعار حتى من بعض الوجهات الأوروبية، ما يجعل عددا من مغاربة العالم يقللون زياراتهم لبلدهم.
تونس.. تباشير عودة قوية
قبل جائحة كورونا، كان قطاع السياحة يساهم بحوالي 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس. وتبحث تونس هذا العام 2023 عن تحقيق نسبة 80 بالمئة على الأقل مما تحقق في 2019، أي قبل تفشي الوباء، بحسب تصريحات لوزير السياحة التونسي معز بالحسن، عندما حققت تونس رقما قياسياً بلغ 9.3 مليون سائح، وأرقام عام 2023 إلى حد الآن إيجابية.
وعكس بعض التوقعات، لم يؤثر الهجوم على محيط كنيس الغريبة خلال احتفالات اليهود خلال مايو/ أيار 2023 على نسق تطور السياحة في البلاد وعلى الحجوزات بحسب الأرقام المعلنة. كما أعطت رحلات السفن السياحية العملاقة الوافدة على تونس مؤشرا أوليا قويا لعودة السياح بقوة.
بدوره أبدى جلال الهنشيري رئيس اتحاد النزل بتونس، في حديثه لـ دويتشه فيله عربية تفاؤلا بانتعاشة قوية للموسم السياحي هذا العام 2023 مع بلوغ الحجوزات والحجوزات المبكرة لطاقة الاستيعاب القصوى في أغلب النزل بالمنتجعات السياحية خصوصا مع مؤشرات واعدة كعودة بعض الأسواق الأوروبية.
ومع ذلك لا يخفي الهنشيري حاجة البلاد الى المزيد من الاستقرار لتطوير أنواع جديدة من السياحة، بخلاف السياحة الشاطئية. ويشير إلى كون البلاد "تحتاج إلى الاستقرار لتقديم رؤية جديدة، خصوصا أننا نصطدم في كل مرة بأزمة مستجدة". كما تعاني تونس، شأن دول أخرى، من هجرة اليد العاملة للقطاع السياحي بسبب الأزمات، ما يتطلب "تعزيز التكوين" للنهوض بالقطاع مجددا، بحسب الهنشيري.
وعلى غرار بلدان شمال أفريقيا، حيث يشكل المغتربون عنصرا أساسيا في دعم السياحة، يعوِّل لبنان على مغتربيه المنتشرين في قارات العالم الخمس، لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها. خصوصا أن الأوضاع الأمنية في البلد لا تساعده كثيرا على استقبال أعداد كبيرة من السياح الأجانب.
السوق الألمانية.. داعم للسياحة؟
تعدّ السوق الألمانية من الأهم داخل أوروبا، فبحسب أرقام الجمعية الألمانية للسفر دفع الألمان خلال عام 2019 حوالي 69.5 مليار يورو على السفر. وتبيّن أرقام عام 2015 أن السياح الألمان ساهموا بـ19 مليار يورو في الناتج الإجمالي للدول السائرة على طريق النمو.
طلاب ومثقفون يزورون المغرب لاكتشاف حضارته...فهل تساعد السياحة الثقافية هذا القطاع؟ #السياحة #الحضارة #المغرب pic.twitter.com/z3Nkj8NmTF
— DW عربية (@dw_arabic) June 9, 2023
وكل الوجهات التسع الأولى التي يقصدها الألمان هي أوروبية، وفي المركز العاشر تأتي مصر التي حصلت على 1.8 بالمئة من السياح الألمان عام 2022.
كان وزير السياحة المصري أحمد عيسى قد ذكر أنَّ هناك مساعي حثيثة لجذب المزيد من السائحين القادمين من الأسواق الأوروبية لتعويض السوق الروسية والأوكرانية وهما كانتا تشكلان قبل الحرب الروسية في أوكرانيا أكبر سوقين للسياحة المصرية. لذلك تضع مصر في نصب عينيها السائح الألماني الذي يعد السائح المفضل، وفق تعبير الخبير السياحي مجدي صادق.
ويوضح صادق لِـ دي دبليو عربية "ولهذا السبب شاركت مصر بقوة في البورصة الدولية للسياحة في مارس/ آذار الماضي 2023 وجرى توقيع تعاقدات قوية مع مصر. وهناك رجال أعمال مصريون لديهم شراكات مع شركات سياحة ألمانية"، مبرزاً أنه معروف عن أن "السائح الألماني يشتري الخدمات السياحية من المبيت في فنادق ثلاث نجوم إلى خمس نجوم".
في الحالة المغربية وقع انخفاض كبير في عدد السياح الألمان عام 2021 بما يصل إلى 96 بالمئة مقارنة بعام 2019 فيما يتعلق بعدد الليالي، بحسب ما يذكره مصطفى مفيد والمرصد الوطني للسياحة، علماً بأن أرقام السياح الألمان في السنوات الأخيرة كانت منخفضة مقارنة بأسواق أخرى.
كما لا يوجد تطور كبير خلال هذا العام من السوق الألمانية لتعويض الانخفاض بعكس أسواق أخرى كالسوق الإسباني.
ويستهدف المغرب بقوة السوق الألمانية، وحضرت هذا العام 2023 هيئات مغربية في البورصة الدولية للسياحة في برلين. ويشير مصطفى مفيد إلى ضرورة تطوير منشآت المبيت السياحي في المغرب بما أن وكالات الأسفار الألمانية تتعامل أكثر مع الوجهات التي تتمتع بأكثر من 40 ألف سرير، وكذلك إلى ضرورة تطوير النقل الجوي من جلّ المطارات الألمانية الكبرى نحو عدة وجهات مغربية، فضلاً عن ضرورة تعزيز ترويج العرض السياحي المغربي في ألمانيا.
#تونس تستعد لموسم سياحي واعد.. فهل تنجح بلاد قرطاج في تحقيق رقم قياسي هذا العام؟
الفيديو الأول من سلسلة DW عربية حول موسم السياحة في بلدان عربية مختلفة.. تابعوا المزيد قريبا! pic.twitter.com/sKQA4tWZLx— DW عربية (@dw_arabic) June 5, 2023
في الحالة التونسية، كانت السوق الألمانية متطورة جدا قبل عام 2011، وكانت الأرقام تصل إلى نصف مليون سائح سنويا حسب مواقع تونسية، لكن الرقم تراجع كثيراً في الأعوام اللاحقة بسبب عدم الاستقرار والأحداث الإرهابية، وزارَ تونسَ في عام 2022 الماضي 190 ألف ألماني، وهو رقم لا يظهر كبيرا، لكنه أكبر من رقم عام 2017 حسب ما أكده وزير السياحة التونسي.
غير أن الهنشيري يشير إلى أن رقم السياح الألمان كان يقترب أحيانا من مليون سائح، لكن نقطة التراجع بدأت من أحداث كنيس جربة عام 2002 (هجوم إرهابي خلفّ مقتل 21 شخصا، بينهم 14 سائحاً ألمانياً)، غير أن الرقم بدأ بالتطور مؤخرا، بحسب كلام المتحدث.
إسماعيل عزام / طارق القيزاني / محمد فرحان
حقوق النشر: دويتشه فيله 2023
[embed:render:embedded:node:50232]