حين ننتقد قطر علينا أيضا الاعتراف بإنجازاتها
سيدة لمياء قدور، بصفتك عضوة في "المجموعة الألمانية البرلمانية المختصة بدول الشرق الأوسط والأدنى الناطقة بالعربية" قمتِ مع برلمانيين ألمان آخرين مؤخراً بزيارة قطر والمملكة العربية السعودية، وقد حدث تحسن في الأوضاع القانونية للعمالة الوافدة في قطر فهل حدث تحسن أيضا على أرض الواقع في الممارسة العملية؟
لمياء قدور: إمارة قطر عبارة عن نظام ملكي سلطوي ويجب الاستمرار في الحث على الالتزام بمعايير حماية العمال وحقوق الإنسان. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن الإصلاحات التي أجريت في قطر حتى الآن نتيجة للضغوط الدولية قد أدت بالفعل إلى تحسينات في الوضع - خاصة بالنسبة للعمال الوافدين المهاجرين في مواقع بناء بطولة كأس العالم ومنشآتها.
ومن بين خطوات التقدم مثلا التعاون مع منظمة العمل الدولية والإصلاحات وتخفيف ما يسمى بـ "نظام الكفالة" وصولا إلى إلغائه في قطر كأول دولة في المنطقة تقوم بذلك وهي خطوات مهمة لمن يعيشون ويعملون في قطر. وبذلك تتخذ قطر أولى الخطوات الهامة فيما يتعلق بحماية العمال وحقوقهم على الأقل. ولقد تحسنت حالة حقوق الإنسان على الأرض تدريجياً، لكن هذا لا يكفي بلا شك.
مشاكل في تنفيذ الإصلاحات
لأنه في الوقت نفسه، لا تزال هناك مشاكل كبيرة في تنفيذ هذه الإصلاحات. فمثلا هناك حوالي 90 ألفاً من خادمات المنازل يَكْدْنَ لا يَسْتَفِدْنَ من الإصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن. إنني مقتنعة بأنّ على هذه الدولة الخليجية الآن مسؤولية تنفيذ الإصلاحات التي تم إقرارها، حتى رغم مقاومة أصحاب العمل وأجزاء من المجتمع القطري.
الأمر الجوهري المحوري المركزي هو ألّا تختفي خطوات التحسن وخُطى التقدم في القوانين بعد نهاية كأس العالم في قطر. ومن أجل تحقيق تحسن مستدام في مجال حقوق الإنسان والمشاركة السياسية، يجب أن تستمر عملية الإصلاح، التي بدأت، حتى بعد نهاية كأس العالم أيضا، عندما يصرف الرأي العام العالمي أنظاره عن قطر.
كل شيء يتركز حاليًا على بطولة كأس العالم، التي يجب أن تمضي بسلاسة وسلام، من وجهة نظر القطريين. وبعدها فقط سيتضح ما إذا كانت قطر ستبقى على الوضع الحالي وتسعى جاهدة لمزيد من الإصلاحات أم أنها ستعود وتتراجع مرة أخرى عمّا تحقق.
ما هي الانطباعات الملموسة لديك بعد الرحلة التي قام بها وفدك؟
قدور: المجتمع القطري يتطلع بسعادة إلى بطولة كأس العالم هذه. والقطريون فخورون بما حققوه حتى الآن ويرون أن كأس العالم فرصة لتقديم أنفسهم دوليًا كمضيفين جيدين. ولكنني رغم ذلك، حين كنتُ هناك قبيل انطلاق البطولة لم أرَ أعلامًا صغيرة على السيارات أو مشجعين مارة في الشوارع بقمصان فرقهم. على كثير من واجهات البنايات الشاهقة كان بالإمكان رؤية صور لاعبين من دول مختلفة. وتم تزيين شوارع بأكملها بروح كأس العالم. وفي نفس الوقت رأينا أيضًا مواقع بناء ضخمة. تريد الدولة أن تتخلى عن صورتها كداعمة للإخوان المسلمين وأن تصبح بدلاً من ذلك قبلة للأحداث الرياضية الكبرى. ونجحت في ذلك جزئيا.
"ليس بطريقة الإشارة بالأصبع وإملاء الأوامر"
هل تحدثتم أيضًا إلى منظمات غير حكومية في قطر؟
قدور: لقد تمكنت من التحدث إلى علماء شباب وموظفين من مكتب الاتصال التابع لمنظمة العمل الدولية، والذي يعمل من أجل تحسين ظروف العمل للعمالة الوافدة. ولكن للأسف، لم يكن من الممكن التحدث مباشرة إلى ممثلي العاملات والعمال الوافدين في إطار الرحلة السياسة للوفد البرلماني الألماني.
ولكن الواضح هو أنه: يجب كشف وتوضيح الظلم الواقع في مواقع البناء وعدم تجاهل الضحايا. وهذا هو السبب في أننا، بصفتنا كتلة حزب الخضر في البرلمان الألماني "بوندستاغ"، ندعم دعوة منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية ومجموعات المشجعين لإنشاء صندوق تعويض مستقل وممول بشكل كافٍ للعمال الوافدين. ونحن نرى هنا أن الفيفا أولاً، ولكن إلى جانبها أيضًا شركات البناء والحكومة القطرية، مسؤولون عن توفير الموارد المالية.
هل يختلف الانطباع على الأرض عنه عما هو موجود في نقاشات الإعلام الألماني؟
قدور: أعتقد أن من الصواب ومن المهم أن تلقي وسائل الإعلام الألمانية، في سياق بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال، نظرة نقدية على حالة حقوق الإنسان في قطر. ولكن يجب علينا رغم ذلك ألا نعالج المشاكل بطريقة الإشارة بالأصبع وإملاء الأوامر، ولكن يجب أن ننظر إلى البلد بطريقة أكثر تمايزًا.
وهذا لا يشمل فقط الحث على إجراء تحسينات، ولكن أيضًا الاعتراف بخطوات التحسن وخطى التقدم ووضع المنظور الإقليمي في الاعتبار. فقطر دولة صغيرة ومعرضة جدا للأخطار، وهي واقعة بين ثلاث قوى إقليمية مهمة، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على جانب من الخليج وإيران على الجانب الآخر. وفي هذا السياق السياسي الإقليمي يجب أيضًا تقييم جهود قطر في تنظيم أحداث رياضية كبرى مثل كأس العالم.
الأمر بالنسبة للقطريين يتعلق بالظهور، لأن هذا من شأنه أن يساعد في حمايتهم من الخلافات المستقبلية مع جيرانهم. تجربة حصار قطر من قبل الجارتين الكبيرتين لا تزال تفت في عظام القطريين. لذا يريدون أن يكونوا في المستقبل أكثر استعدادًا لمثل هذه الصراعات من خلال جعل أنفسهم، من الناحية الاستراتيجية، شريكًا لا غنى عنه للغرب في مجالات الدبلوماسية والرياضة والثقافة والعلوم والاقتصاد.
"يوجد جهل وأحكام مسبقة في ألمانيا تجاه المنطقة العربية"
في مقابلة مع صحيفة فرانكفورت الألمانية (فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ) (FAZ)، اتهم وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ألمانيا بازدواجية المعايير تجاه بلده. هل هذا النقد مُبَرَّر؟ وهل تُطبَّق على قطر معايير مختلفة عن تلك التي طُبقت على منظمي كأس العالم السابقين؟
قدور: نحن لم نبدأ الحديث منذ بضعة أسابيع فقط عن قطر وانتهاكات حقوق الإنسان هناك. وبالنظر إلى العلاقات الثنائية إجمالا أصبح مجتمعنا أكثر حساسية لمثل هذه الموضوعات. ويظهر هذا أيضًا من خلال المقارنة المباشرة مع كأس العالم في روسيا عام 2018. فروسيا كانت متورطة آنذاك في الحرب الوحشية في سوريا، وضمت شبه جزيرة القرم وشنت قبلها حربًا في جورجيا. وكان هناك أيضًا بعض السجناء السياسيين في روسيا بوتين في عام 2018.
ولكن وقتها، لم يكن وضع حقوق الإنسان في روسيا يحظى بأولوية كبيرة في النقاش الإعلامي والسياسي حول بطولة كأس العالم. وإجمالا، يمكن ملاحظة أن الوعي بأوضاع حقوق الإنسان، فيما يتعلق بالأحداث الرياضية الكبرى، آخذٌ في الازدياد هنا في البلد ألمانيا، وهذا بالفعل تطور إيجابي. ولكن مع ذلك، هناك في الوقت نفسه أيضًا نوع من الجهل والأحكام المسبقة تجاه المنطقة. لذا علينا على الأقل أن نحرص على عدم استخدام معايير مزدوجة عند ممارستنا للنقد.
كيف يمكن للسياسة الألمانية التعامل مع قضية حقوق مجتمع الميم؟
قدور: بطولة كأس العالم لكرة القدم هي الوقت المناسب لجذب أكبر قدر ممكن من الانتباه إلى حالة حقوق الإنسان على الأرض وبالتالي لتحسين حياة البشر اليومية. ونحن نواصل المطالبة بحقوق الإنسان لمجتمع الميم في قطر. ومع ذلك فإن الأمر لا يقتصر على الجماهير المشجعين خلال فترة كأس العالم، بل يتعلق في المقام الأول بالأشخاص الذين يعيشون ويعملون في قطر- حتى بعد فترة طويلة من انتهاء كأس العالم.
حقوق مجتمع الميم يجري انتهاكها في قطر، بل إنهم حتى يواجهون عقوبات. وكوننا ندين هذا، ينبغي ألا يكون مفاجئًا لقطر. لذلك أندهش من رد فعل القطريين على النقد بهذه الحساسية المفرطة.
"يجب أن نطالب بالحقوق الإنسانية لمجتمع الميم"
ما هو رد الفعل السياسي الذي تعتقدين أنه مَعقُول في مواجهة تصريح مثل تصريح سفير قطر في كأس العالم حول المثلية الجنسية (اعتبرها "خللا عقليا")؟
قدور: أنا أتفهم جيدا أن التصريحات غير اللائقة المعادية للمثليين، التي أدلى بها سفير قطر في كأس العالم، تثير مخاوف لدى المشجعين الذين يسافرون إلى قطر. ويجب، وبشكل حاسم، مواجهة هذه التصريحات المقيتة. وقد تلقت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر خلال زيارتها لقطر تأكيدات من رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري بضمان سلامة جميع المشجعين الألمان خلال المونديال. وأنا، مثل الوزيرة، أفترض أن صلاحية هذا الضمان الأمني مستمرة الآن ومستقبلا.
ورغم ذلك، فإذا كان بإمكان الأشخاص المثليين من دول أخرى السفر الآن إلى قطر دون شكوك أو مخاوف أثناء كأس العالم لكرة القدم فقط؛ فينبغي علينا ألا نظهر الرضى بذلك، وإنما علينا أن نستمر في المطالبة بتغيير القوانين التمييزية والاعتراف بحقوق المثليين في قطر. ويجب أن يكون الحكم على قطر من خلال معرفة ما إذا كان الجميع بها يعيشون في أمان، بغض النظر عن ميولهم الجنسية وهويتهم أو أصلهم أو دينهم أو معتقدهم.
"يجب علينا ألا نقطع الحوار"
ألا تفقد السياسة الألمانية مصداقيتها؟: فهناك انتقادات قاسية أحيانًا ضد قطر (وهي دولة بلا سجناء سياسيين دائمين)، بينما لا تفعل السياسة الألمانية شيئًا، خلال مؤتمر المناخ "كوب 27" في مصر، ضد احتمال وفاة المعارض المصري علاء عبد الفتاح في السجن؟
لمياء قدور: الدفع باتجاه القيام بتحسينات أمر ينطبق على المنطقة بأكملها، بما في ذلك أيضا دول الخليج الأخرى، حيث تشهد حقوق الإنسان وضعا أسوأ بكثير مما هي عليه في قطر، ويمكن لقطر بإصلاحاتها في مجال حماية العمال أن تقوم بدور رائد في الخليج. حتى وإن لم تكن الممالك الخليجية شركاء سهلين، فمن الناحية الجغرافية السياسية الجيوسياسية لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بقطع الحوار مع المنطقة.
في مناقشاتنا على أرض الواقع، لم نسمع فقط كلمات انتقادية لتصريحات السيدة فيزر [وصفت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر منح تنظيم كأس العالم لقطر بأنه "صعب تمامًا"]، بل إننا أنفسنا أيضًا وجدنا كلمات واضحة فيما يتعلق بقضايا صعبة مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة. الأمر نفسه ينطبق أيضا على رحلتنا إلى المملكة العربية السعودية.
(أمّا) بالنسبة لمصر فالأمر ليس كما لو أن الحكومة الألمانية لا تتدخل لأجل علاء عبد الفتاح. فقد تدخل المستشار شولتس شخصيًا أثناء لقائه بالرئيس المصري السيسي على هامش قمة المناخ، داعيا إلى إطلاق سراح علاء عبد الفتاح.
وبالمثل، كانت جينيفر مورغان، وكيلة وزارة الخارجية الألمانية، ضيفة في حلقة نقاش نظمتها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أثناء مؤتمر المناخ، وحضرتها شقيقة علاء عبد الفتاح. وهذه تعد إشارات واضحة وعلنية لدعم علاء عبد الفتاح وآلاف السجناء السياسيين الآخرين في مصر.
هل ستشاهدين مباريات كأس العالم على شاشة التلفزيون؟
قدور: نعم، بصفتي متحمسة للرياضة، سأشاهد المباريات على الأرجح.
حاورتها: كلاوديا مينده
ترجمة: صلاح شرارة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022