نساء ليبيات يقتحمن حقول الموت
رغم الخطر وقلق الأسرة واحتمالات تعرضها لانتقادات مجتمعية، إلا أن الليبية الشابة فرح الغزالي ذات الثلاثين ربيعا لم تتردد عندما أتيحت لها فرصة مساعدة بلادها من إزالة الألغام الأرضية أو ما تعرف بـ "حقول الموت".
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قالت فرح وهي من أوائل الليبيات اللاتي يعملن في مجال إزالة الألغام "لم أتردد. طلبت مني عائلتي توخي الحذر وأخبرتهم أنني سأتوخى الحذر وأبلغتهم عن الأشياء الجيدة التي يمكننا القيام بها في خدمة أهالينا. كما أنني أقدم لأفراد عائلتي وأصدقائي النصحية حيال ما يجب فعله إذا رأوا لغما أرضيا أو عبوة ناسفة".
ورغم صعوبة الحصول على بيانات دقيقة في ليبيا بسبب الصراع الدائر منذ سنوات، إلا أن مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية أفاد بمقتل أكثر من 400 ليبي بسبب الألغام الأرضية أو الذخائر غير المنفجرة فضلا عن إصابة أكثر من 3000 شخص خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية.
وأشار المرصد إلى أنه من المرجح أن تتجاوز الحصيلة الحقيقية هذا العدد المذكور فيما تمثل قضية مواصلة إزالة الألغام والذخائر غير المتفجرة تحديا كبيرا أمام الليبيين.
وفي ذلك، تأمل فرح وغيرها من النساء الليبيات اللاتي يعملن في مجال إزالة الألغام في المساعدة على مواجهته بعد أن حصلن في نوفمبر / تشرين الأول 2022 على دورة تدريبية في طرابلس ولمدة شهرين.
وعلى وقع ذلك، شرعن في البدء في العمل مع منظمات تعمل على إزالة الألغام بما في ذلك وزارة الدفاع ومنظمة "الحقول الحرة" الخاصة بمكافحة الألغام.
وقالت إحدى المشاركات وتدعى أمل مصطفى وهي خريجة كلية الفنون وفي عامها الـ 29 عاما، إن التدريب امتد إلى عدة مراحل، مضيفة أن المتدربات اللاتي يرتدين الخوذات الثقيلة وأجهزة الكشف عن المعادن جرى تعليمهن على كيفية تحديد أخطر المناطق التي يحتمل أن تحتوي على ألغام وأيضا كيفية إزالة هذه الألغام.
وكحال فرح، قالت أمل إن عائلتها كانت قلقة حيال انخراطها في إزالة الألغام، لكنها شجعتها على المضي قدما في التدريب.
استمرار زرع الألغام
ولا تزال الألغام الأرضية تشكل خطرا على حياة الليبيين في أجزاء كثيرة من البلاد فيما قدرت الأمم المتحدة وجود أكثر من 20 مليون لغم أو مخلفات متفجرة في ليبيا رغم أن المسح الذي أُجرى في يناير / كانون الثاني 2023 لم يشمل كافة مناطق البلاد.
ولا يعود زرع الألغام في ليبيا إلى القتال الأخير الذي ما زالت تئن تحت وطأته منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 بل هناك مخلفات الحروب التي ترجع إلى الحرب العالمية الثانية وأعمال قتال مع مصر وتشاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
لكن تقارير ذكرت أن القوات التابعة للجنرال خليفة حفتر تقوم بزرع ألغام أرضية وعبوات ناسفة بدائية، فيما أفادت هيومن رايتس ووتش عام 2022 أن مجموعة "فاغنر" الروسية التي كانت تدعم حفتر قامت بزرع ألغام أرضية وشراك مفخخة بالقرب من طرابلس عام 2020.
وذكرت منظمات حقوقية أن 130 من السكان قتلوا جراء انفجار الألغام الأرضية أو مخلفات القتال منذ انسحاب قوات حفتر من ضواحي طرابلس عام 2021.
مواجهة مع الموت
وفيما يتعلق بالعمل في مجال إزالة الألغام، قالت أسيل الفرجاني (28 عاما) إن عملها في نزع الألغام يعد بمثابة "مواجهة مباشرة مع الموت. لا مجال للخطأ إذ لا تمنحك الألغام فرصة ثانية." وأضافت "يقولون إن عملي خطير وهذا بالأمر الصحيح حيث أنه خطير بنسبة ألف في المائة".
واتفقت مع هذا الرأي هدى خالد (33 عاما) التي تعمل مجال إزالة الألغام وهي عراقية تعيش في ليبيا، مضيفة أنها كعراقية قد عاصرت بعينيها جحيم الألغام.
وقالت هدى في مقابلة مع دي دبليو "أمضينا سنوات نرى وقوع انفجارات في أسواقنا وشوارعنا حيث بات خطر إزالة الألغام جزءاً من حياتنا اليومية".
عقبات مجتمعية
وقال محمود العلم، الذي يقوم بتدريب الليبيات على إزالة الألغام، إن هناك تحديات أخرى تواجه النساء اللاتي يعملن في مجال إزالة الألغام، مضيفا أنه لفترات زمنية طويلة كان يُنظر إلى هذا المجال باعتباره حكرا على الرجال. وأوضح العلم "واجهت المشاركات العديد من التحديات بسبب العادات والتقاليد في هذه البلد المحافظ حيث توجد قيود على عمل المرأة بشكل عام. لذا علينا أن نتخيل كيف يكون الأمر حين تعمل المرأة في مجال مثل إزالة الألغام."
واتفقت في هذا الرأي أبيجيل جونز، التي ترأس برنامج التنوع والمساواة والشمول في مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية. وقالت "هذا المجال يهيمن عليه الذكور بشكل تقليدي بسبب ارتباطه التاريخي بالجيوش، لذا من الناحية التاريخية واجهت النساء المزيد من العوائق التي تحول دون عملهم في مهام إزالة الألغام".
لكنها أشارت إلى أن الوضع تغير منذ انضمام المنظمات الإنسانية في إزالة الألغام عام 1988 في أفغانستان، مضيفة أن الوقت الراهن يشهد زخما دوليا لتعزيز المساواة بين الجنسين في هذا المجال.
وقالت إن أول فريق نسائي بالكامل يعمل في مجال إزالة الألغام كان في كوسوفو عام 1999 وجرى إنشاؤه من قبل منظمة مساعدة نرويجية، مضيفة أنه يوجد فرق نسائية تعمل على إزالة الألغام في 25 دولة مختلفة بما في ذلك العراق ولبنان والسودان وميانمار وكمبوديا والأردن.
تدعم دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام النساء الليبيات لتنظيم أول يوم وطني للتوعية بمخاطر الأسلحة الصغيرة والخفيفة في ليبياhttps://t.co/9eQF3pbAWc pic.twitter.com/ui0lAZvKod
— UNSMIL (@UNSMILibya) December 28, 2017
وكشفت دراسة استقصائية أجريت عام 2019 على المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في إزالة الألغام عن أن النساء يشكلن الآن حوالي 20% من نسبة القوى العاملة في هذا المجال.
لمن التفوق؟
ومع دخول المزيد من النساء إلى مجال إزالة الألغام، يدور نقاش حيال من الأفضل في هذا المجال: الرجل أم المرأة؟
ويزعم البعض أن النساء قد يستغرقن أوقاتا أطول مقارنة بالرجال وأيضا أن تكون النساء في حاجة إلى الحصول على إجازات أكثر من الرجال بسبب الحمل والرضاعة.
لكن في المقابل يؤكد آخرون أن النساء يحققن نتائج أفضل من الرجال في مجال إزالة الألغام، حيث ذكرت دراسة أن النساء أكثر حذرا وصبرا ويملن إلى العمل كفريق فضلا عن عدم حاجتهن إلى الاندفاع لإثبات مدى جدارتهن في العمل.
وللخروج بنتيجة حاسمة، قام باحثون في برامج إزالة الألغام في 14 دولة من مناطق مختلفة، بدراسة عدد الأمتار المربعة من الأراضي التي تم تطهيرها من الرجال والنساء.
وخلصت الدراسة التي نُشرت العام الماضي في مجلة Journal of Conventional Weapons Destruction إلى استمرار "القوالب النمطية والافتراضات غير المؤكدة. رغم أن التحليل الكمي للبيانات لم يجد أي فارق ذي مغزى في الإنتاجية التشغيلية.. على أساس الجنس".
تعزيز دور المرأة
وقالت أبيجيل جونز إن انخراط المرأة في مجال إزالة الألغام ليس مجرد مسألة تتعلق بحصولهن على فرصة عمل وإنما ذكرت دراسات أُجريت في دول مثل سريلانكا ولبنان حيث تعمل النساء في إزالة الألغام، أن هذا الأمر يساعد في تعزيز اندماج النساء في المجتمع.
وأضافت "يساعد ذلك في تغيير الصور النمطية التي ما تزال موجودة حيال عدم قدرة المرأة على أداء نفس الوظائف التي يقوم بها الرجال، بل يساعد ذلك في زيادة تأثير المرأة على عملية صنع القرار سواء على مستوى المجتمع وأيضا داخل أسرتها كما يوفر لهن نوعا من الاستقلال المالي".
أما بالنسبة لفرح الغزالي، فهي تشعر بالسعادة حيال قدرتها على "تحدي الصورة النمطية" للنساء في ليبيا.
وقالت "أريد أن أظهر أن المرأة تستطيع أن تقوم بما يقوم به الرجل من مهام وأريد أن أبذل قصارى جهدي. أعمل على تحسين قدراتي عن طريق الحصول على المزيد من التدريب لتعزيز خبرتي ... أشعر بالسعادة لأني أعلم أن عملي يساعد الناس".
كاثرين شير (ألمانيا) / إسلام الأطرش (ليبيا)
ترجمة: م.ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 2023