هل تتصدر عائلة معمر القذافي مشهد ليبيا السياسي؟
يوماً بعد آخر، تزداد شعبية أبناء الزعيم الراحل معمر القذافي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات. شعبية يعتقد البعض أن أبناء الديكتاتور الراحل يمكنهم أن يستفيدوا منها في المشهد السياسي الليبي الآخذ يومياً في التشظي.
عاد اسم القذافي للظهور مجدداً في وسائل الإعلام، إذ أطلقت السلطات الليبية سراح الساعدي القذافي، النجل الثالث للعقيد الراحل معمر القذافي. وأشارت التقارير إلى أن الساعدي غادر البلاد إلى تركيا فور إطلاق سراحه.
كان الساعدي محتجزاً في سجن بطرابلس لمدة سبع سنوات بتهمة ارتكاب جرائم ضد المتظاهرين خلال انتفاضة 2011 التي أطاحت بنظام والده، كما اُتهم بقتل لاعب كرة القدم الليبي الشهير بشير الرياني عام 2005 بسبب انتقاداته العلنية آنذاك لنظام حكم الديكتاتور الراحل.
وكانت محكمة استئناف قد برأت بالفعل الساعدي - الذي احترف لعب كرة القدم - في أواخر 2018.
وفقا للتقارير الصحفية، لم يتم الإفراج عن الساعدي (47 عاماًً) إلا مؤخراً (سبتمبر / أيلول 2021) عقب مفاوضات بين زعامات قبلة وكبار شخصيات الدولة، ومنهم رئيس الوزراء المؤقت للبلاد عبد الحميد دبيبة ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، الذي يعتقد الكثيرون أن حظوظه تتزايد لشغل منصب رئيس الوزراء بعد الانتخابات المقرر عقدها في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2021.
لكن بعض سكان مدينة طرابلس شككوا في دوافع من رتبوا لإطلاق سراح الساعدي. في هذا السياق يقول مهندس الوقود عبد اللطيف دقداك في حديث لمحطة إفريقيا نيوز: "في رأيي فإن كل هذه الاتفاقات جرت بسبب المواءمات السياسية بين المقربين من الرئاسة".
طموحات سياسية
حكم معمر القذافي ليبيا لأكثر من أربعة عقود حتى أسقطت الثورة نظامه في عام 2011. من بين أبنائه السبعة، قُتل ثلاثة خلال الانتفاضة الدموية. بعد ذلك مُنح أفراد عائلته المتبقون - ابناه محمد وهانيبال والابنة عائشة وزوجته صفية - حق اللجوء في سلطنة عمان. ويُعتقد أن هانيبا (45 عاماً) مُحتجز في لبنان بعد اعتقاله هناك في أواخر 2015، بتهم تتعلق بقضية رجل الدين اللبناني موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا عام 1978. ويبدو أن زوجة هانيبال وأطفاله يتمتعون بوضع اللجوء في دمشق في سوريا المجاورة.
لكن مصادر قالت إن أهم سليل في عائلة القذافي اليوم هو سيف الإسلام البالغ من العمر 49 عاماً، وهو فرد العائلة الوحيد الذي لديه طموحات سياسية في الوقت الحالي.
بعد الانتفاضة اعتقلت الميليشيات القبلية سيف الإسلام في مدينة الزنتان، شمال غرب ليبيا. لكن الميليشيات أطلقت سراحه في عام 2017 ويُعتقد أنه لا يزال يعيش بين آسريه السابقين. في يوليو/ تموز 2021 وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز -وهي المقابلة الأولى التي يجريها مع وسيلة إعلام غربية منذ سنوات- ألمح سيف الإسلام إلى طموحات تتعلق بكرسي الرئاسة.
عودة محتملة
قد يبدو الأمر غريباً للمراقبين الدوليين، لكن هناك فرصة حقيقية لسيف الإسلام - ابن الحاكم الذي اشتهر بغرابة الأطوار والوحشية - في تحقيق شكل ما من أشكال العودة للمشهد السياسي في ليبيا. يرجع ذلك في الغالب إلى طبيعة التنافر الشديد في المشهد السياسي الليبي في الوقت الحالي.
في الماضي القريب، كان يتم تصنيف الفصائل المختلفة في البلاد بشكل أكثر سهولة. على سبيل المثال في عام 2011، كان التمييز على أساس إما تأييد الثورة أو تأييد القذافي. على مدى السنوات القليلة الماضية مع اندلاع الحرب الأهلية، كان من الممكن التقسيم إلى فصائل شرقية أو غربية، حيث كان للجماعتين الرئيسيتين اللتين تقاتلان للسيطرة على البلاد معاقل في أحد طرفي البلاد. وكان القائد العسكري للمتمردين خليفة حفتر متمركزاً في الشرق فيما ترأس فايز السراج حكومة معترف بها دولياً في الغرب.
في هذا السياق يقول تيم إيتون، الباحث البارز في تشاثام هاوس ومؤلف تقرير عن تطور اقتصاد الحرب في ليبيا: "لا يوجد لاعب أو مجموعة واحدة يمكنها أن تهيمن بوضوح على المشهد السياسي الليبي"، ويضيف بالقول: "لقد أصبحت المسألة معقدة للغاية ومحلية للغاية. إنها تشبه لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد مع قادة وشبكات مختلفة تحاول تشكيل تحالفات، أو ربما تعمل على أشياء معينة معاً ولكن على أساس محدود".
على سبيل المثال، وبحسب ما كتب إيتون في تحليل مفصل للجيش الليبي، حاول حفتر دمج الضباط الموالين للقذافي في قيادته العليا منذ 2016 "في محاولة لتوسيع تحالفه العسكري".
لا أيديولوجية
محمد عمر دوردة هو أحد مؤسسي مكتب ليبيا للاستشارات الربحية، الذي عمل مع مراكز أبحاث ألمانية، بما في ذلك مؤسسة كونراد أديناور وفريدريش إيبرت، ولديه علاقات جيدة داخل البلاد ومع النظام السابق.
قال دوردا لدويتشه فيله: "التحالفات التقليدية أصبحت شيئاً من الماضي. الآن يتحدث الجميع إلى الجميع، حتى أننا نرى اليوم الأشخاص الذين تم اعتقالهم في عام 2011 وكانوا قد هُمشوا تماماً، قد عادوا للظهور وكأنهم يمكن أن يصبحوا جزءا من تحالف مستعد لخوض غمار المنافسات السياسية".
يعتقد دوردا أن المفاوضات حول الإفراج الأخير عن سجناء مثل الساعدي القذافي هي جزء من بناء هذا التحالف. وأشار إلى أن هذه الاندماجات السياسية لم تعد مسألة قائمة على الأيديولوجية، بل هي معاملات بحتة وتتعلق بالسلطة السياسية. وهو المكان الذي تعود إليه عائلة القذافي.
الرئيس القذافي؟
لا تزال عائلة القذافي تتمتع بشعبية لدى بعض الليبيين، بل يبدو أن بإمكانهم تكوين حلفاء "محتملين" أيضاً، حتى بالنسبة لأولئك الذين اعتبروهم في السابق أعداء. عن ذلك يقول إيتون: "هناك أشخاص في ليبيا يوافقون على أنه - بالنظر إلى أحداث السنوات القليلة الماضية - البلاد كانت في وضع أفضل في ظل حكم القذافي".
ويضيف بالقول: "بعض هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين يُرجِعون سبب المشاكل التي وقعت خلال السنوات القليلة الماضية إلى الارهابيين أو إلى التدخل الأجنبي. هناك أشخاص في ليبيا لم يتخلوا قط عن عائلة القذافي، ولا يزال العلم الأخضر يرفع في أنحاء مختلفة من البلاد"، في إشارة إلى حقيقة أن معمر القذافي اختار اللون الأخضر للعلم الليبي عام 1977، وقال إيتون: "هناك بالتأكيد أنصار لسيف الإسلام".
ويجادل دوردا بأن سيف الإسلام "لديه فرصة كبيرة للقيام بأداء جيد في الانتخابات، وإذا لم يترشح وحصل بشكل ما على دور "صانع الملوك" بدعمه لمرشح آخر، فهو بذلك يضمن موقعاً في السلطة".
ورغم أن إيتون يبدو متشككاً إلى حد ما. لكنه يقر بذلك فيقول: "على الرغم من أنك بحاجة إلى توخي الحذر بشأن المصادر التي تتناول هذا الموضوع، إلا أن بعض استطلاعات الرأي تشير بالتأكيد إلى أن سيف الإسلام هو الاسم الأكثر قبولاً، الأمر الذي يستمد منه (سيف الإسلامي القذافي) ثقة كبيرة".
ويجادل المحلل البارز في تشاثام هاوس قائلاً: "لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن لسيف الإسلام أن يعود إلى صدارة المشهد.. لا يمكنه العمل في العلن وفي المناطق المفتوحة ولا يستطيع التنقل بحرية في جميع أنحاء ليبيا، وليس لديه أي قوات مسلحة موالية له. بالنسبة إلي.. يبدو الأمر بعيد المنال".
كاثرين شير
ترجمة: ع.ح
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021
[embed:render:embedded:node:44826]