مسلمون ويهود ضد الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية في فرنسا

مظاهرة حاشدة في باريس ضد تزايد جرائم معاداة السامية. صورة من: Claudia Greco/REUTERS Thousands of people stand in a public square. Someone holds up a French flag and in the background, people hold a banner saying: "The Republic united against anti-Semitism"
مظاهرة حاشدة في باريس ضد تزايد جرائم معاداة السامية. صورة من: Claudia Greco/REUTERS

شهدت فرنسا ارتفاعاً في اعتداءات معاداة السامية منذ بدء حرب حماس وإسرائيل في 07 / 10 / 2023، وإزاء ذلك حاولت مبادرة "مجموعة الصداقة اليهودية-الإسلامية" تهدئة التوترات. استحضار ليزا لويس.

الكاتبة ، الكاتب: Lisa Louis

في صباح يوم ثلاثاء تجمع شباب حول شاحنة صغيرة في مرآب بضاحية ريس أورانجيس، جنوب باريس. الشاحنة مغطاة بالملصقات والشعارات، كتب على أحدها: "نحن متشابهون أكثر مما يبدو".

يبث المشهد بصيص أمل في ظل الأوقات العصيبة الراهنة.

وخلال تجمعهم طرح تيبولت -وهو شاب فرنسي اعتنق الإسلام- على الشباب السؤال التالي: "ما هو التمييز؟"، ليجيب أحدهم: "التمييز يحدث عندما تعامل شخصاً ما بشكل غير لائق بسبب شيء ما تفترضه فيه".

ولم تتوقف أسئلة تيبولت عند هذا السؤال بل طرح سؤالاً آخر: "كيف يمكن تعريف التمييز القائم على أساس السن؟" ليجيب أحد الشباب: "عندما يحدث تمييز ضد شخص ما بسبب عمره".

وفيما كان يطرح تيبولت أسئلته، كان الحاخام ميشيل سرفاتي يقف بين الشباب يراقب المشهد.

أسس ميشيل سرفاتي، البالغ من العمر 80 عاماً، مبادرة "مجموعة الصداقة اليهودية-الإسلامية" AJMF قبل عشرين عاماً. وتوظف المبادرة اليوم ثمانية أشخاص، جميعهم مسلمون.

وفي مقابلة مع دي دبليو قال ميشيل سرفاتي إن "هدفنا يتمثل في محاربة معاداة السامية والإسلاموفوبيا. نعمل على زيادة الوعي بين الشباب بطريقة غير مباشرة من خلال التحدث عن التمييز لضمان عدم الوقوع في فخ معاداة السامية".

صداقة الإمام مولود والحاخام ميشيل تعود لسنوات طويلة. صورة من: Lisa Louis/DW Rabbi Michel Serfaty and Imam Haj Mouloid Elouasia from the Group for Jewish Muslim Friendship (AJMF)
صداقة الإمام مولود والحاخام ميشيل تعود لسنوات طويلة. صورة من: Lisa Louis/DW

معاداة السامية في فرنسا

وبات هدف ميشيل سرفاتي يتسم بأهمية كبيرة منذ بداية الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس المدرجة على قائمة الإرهاب في عدد من الدول. ومنذ هجوم حماس الدامي على إسرائيل في السابع من أكتوبر /تشرين الأول الماضي 2023 وإعلان إسرائيل الحرب سجلت السلطات الفرنسية ما يقرب من 1250 اعتداء جرى تصنيفه باعتباره معادياً للسامية.

وفي سياق ذلك قال ميشيل فيفيوركا -الباحث بعلم الاجتماع في "مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية" في باريس EHESS- إن هذا الرقم "مثير للقلق إذ يعد الأعلى منذ بدء التسجيل الممنهج (لحوادث معاداة السامية) عام 2000".

وفي مقابلة مع دي دبليو أضاف أن تصاعد مثل هذه الحوادث يعكس انتقال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى فرنسا التي تعد موطناً لأكبر عدد من السكان اليهود في أوروبا وتضم واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا.

وقال إن هذا الأمر يعد ذروة مسار مقلق من حوادث معاداة السامية في فرنسا حيث تجاوز المعدل السنوي 400 واقعة قبل الحرب بين إسرائيل وحماس. بيد أن فيفيوركا قال إن هذا لم يكن الحال على الدوام، مضيفاً: "شعر الناس خارج ألمانيا بالفزع عندما اكتشفوا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كيف جرى قتل ستة ملايين يهودي خلال الهولوكوست وذلك من خلال الفيلم الوثائقي الملحمي الشهير 'المحرقة' والذي قام بإخراجه كلود لانزمان. لقد خلق الفيلم الكثير من التعاطف مع اليهود".

وتابع "يُضاف إلى ذلك المشهد اليهودي الثقافي النابض بالحياة والصورة الإيجابية لإسرائيل التي يُنظر إليها على أنها الدولة التي يمكن داخلها تحقيق المدينة الفاضلة في مستوطنات الكيبوتس وهو ما يلقى نظرة إيجابية على المجتمع اليهودي".

ورغم التأثير الإيجابي إلا أن فيفيوركا أقر بأن هذا التأثير بدأ يتضاءل: "يتم شرح المحرقة في المدارس والمتاحف، لكن الناس اعتادوا على الرعب. وبينما أصبح المشهد الثقافي اليهودي أقل حيوية الآن، فإن صورة إسرائيل قد تدهورت بسبب صراعاتها المتعددة".

الشاب الفرنسي المعتنق للإسلام تيبولت يزيد التوعية لمكافحة معاداة السامية في ضواحي باريس الفقيرة. صورة من: Lisa Louis/DW An older man talks to two younger men in a parking lot
يقوم الشاب الفرنسي المعتنق للإسلام تيبولت بزيادة التوعية لمكافحة معاداة السامية في الضواحي الباريسية الفقيرة. صورة من: Lisa Louis/DW

ظاهرتان متعارضتان

وفي هذا الصدد تقوم مبادرة "مجموعة الصداقة اليهودية-الإسلامية" بتنظيم جولات في المناطق الأكثر فقراً في فرنسا بشكل منتظم حيث يؤكد ميشيل سرفاتي -الحاخام الذي نشأ في المغرب- أن جوهر المشكلة يكمن في تلك المناطق: "العديد من المسلمين وخاصة الشباب في المناطق الفقيرة، يتربون على فكرة أن اليهود أغنياء ويحكمون العالم. تسجل هذه المناطق أعلى معدلات الجريمة في فرنسا ونسبة كبيرة من التسرب من التعليم فضلاً عن انتشار البطالة. لقد رصدنا أن هذه المناطق مصدر 95% من الأعمال المعادية للسامية".

بدوره قال الباحث في الاجتماع داني تروم من "المركز الوطني للفرنسي للبحث العلمي" CNRS إن فئات المجتمع الأقل ثراءً ربما تكون أكثر عرضة لتكون معادية للسامية بسبب الشعور بالاستبعاد، مضيفا أن "بعض الأشخاص الذين ينحدرون من مستعمرات فرنسية سابقة ويشعرون بأنهم موصومون بشكل سلبي، وقد ينقلبون ضد اليهود معتقدين أنهم يمثلون الطاغية الحاكم".

وفي مقابلة مع دويتشه فيله أضاف: "تعد العنصرية ومعاداة السامية ظاهرتين متعارضتين إذ تحدث الأولى عندما يُنظر إلى فئة معينة من البشر باعتبارها أقل شأناً، لكن الظاهرة الثانية تقف على النقيض حيث يُنظر إلى اليهود باعتبارهم الطبقة المهيمنة".

من جانبها قالت الحكومة الفرنسية إن الشرطة تبذل قصارى جهدها لتقديم الجناة المتورطين في جرائم معاداة السامية إلى المحاكمة فيما نُقل عن وزير الداخلية جيرالد دارمانين قوله: "يحمي عشرة آلاف شرطي وجندي 900 معبد يهودي ومدرسة في جميع أنحاء البلاد. اعتقلنا 486 شخصاً لارتكابهم أعمالاً معادية للسامية".

معاداة السامية في السياسة

وقال رافائيل أمسيلم -محلل السياسة العامة في مركز GenerationLibre البحثي في فرنسا- إن الأمر لا يعني أن اليهود في فرنسا لا يشعرون بوجود دعم حكومي لهم، مضيفاً: "لكن المشكلة تكمن مع بعض الأحزاب السياسية في فرنسا مثل حزب 'فرنسا الأبية' اليساري المتطرف".

وفي مقابلة مع دي دبليو أضاف أن "وصْف زعيم الحركة جان لوك ميلينشون مسيرة الأحد ضد معاداة السامية باعتبارها تجمعاً للأشخاص الذين يدعمون بشكل مطلق المذبحة [التي ترتكبها إسرائيل في غزة]...هذا أمر غير مقبول".

وأضاف أن السياسي الفرنسي ذا التوجه اليساري الراديكالي يبدو أنه يعتقد أن الناس لا يمكنهم محاربة معاداة السامية إلا إذا نأوا بأنفسهم عن التصرفات الإسرائيلية.

الجدير بالذكر أن 182 ألف شخص قد انضموا في يوم أحد إلى مظاهرات ضد حوادث معاداة السامية في جميع أنحاء فرنسا في مسيرات قاطعها الحزب اليساري المتطرف، لكنها حظيت بمشاركة أعضاء من حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف وعلى رأسهم مرشحة اليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية السابقة مارين لوبان.

وفي سياق ذلك قال أمسيلم إن "المفارقة هي أن الحركة اليسارية المتطرفة تساعد حزب التجمع الوطني على الظهور بمظهر أقل تطرفاً. يرغب اليمين المتطرف في تصوير نفسه وكأنه يدافع عن اليهود لكسب أصوات الناخبين". وأضاف: "لكن هذا ليس سوى نوع من التمويه؛ إذ ما زال هناك أعضاء (في الحزب) قريبين من منظمات معروفة بالدفاع عن وجهات النظر المعادية للسامية.. لن يتقبل أعضاء الحزب اليهود بعاداتهم وطريق حياتهم وعيشهم".

وقال تال بروتمان -المؤرخ والخبير في مكافحة معاداة السامية- إن التطورات السياسية الأخيرة تظهر أن معاداة السامية "مازالت موجودة في الطيف السياسي". وأضاف بروتمان -وهو عضو في مؤسسة مقرها باريس تأسست لتخليد ذكرى ضحايا المحرقة- أنه "منذ الأحداث المروعة في عهد الرايخ الثالث اعتقد الناس أن معاداة السامية كانت مقتصرة على اليمين المتطرف، لكنهم نسوا أن الاتحاد السوفييتي السابق نفذ كذلك سياسات معادية للسامية".

Here you can access external content. Click to view.

"القدس الصغيرة"؟

بدوره يعتقد مارك هيكر -مدير الأبحاث والاتصالات في "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية" Ifri ومقره باريس- أن فرنسا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتغيير هذا الشكل من التفكير، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى المزيد من البرامج التعليمية حول معاداة السامية لمعالجة الصور النمطية الخاصة بمعاداة السامية بشكل شامل".

واعترف أحد الشباب الذين التفوا حول الفرنسي المسلم تيبولت في ضاحية ريس أورانجيس بأن وجهة نظره تجاه اليهود قد تغيرت. وقال الشاب -الذي فضل عدم الكشف عن هويته- مؤكداً: "قبل مشاركتي كنت أعتقد أن اليهود منغلقين على أنفسهم. لكنني أدركت أن ذلك كان تحيزاً. لا ينبغي أن نحكم على الناس دون معرفتهم".

وفي رده أشاد الحاخام ميشيل سرفاتي بما صرح به الشاب معبراً عن أمله في أن تصبح الضاحية التي يُطلق عليه "القدس الصغيرة" -لأنها تضم كنيساً وكنيسة ومسجداً- مصدر إلهام.

الجدير بالذكر أن رجال الدين من مختلف المعتقدات في الضاحية ينظمون فعاليات مشتركة كيوم الحداد بعد بدء الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس

وعند لقائه مع الإمام الحاج مولود الوسية -بعد صلاة الظهر- تذكر ميشيل سرفاتي صداقتهما، فيما استحضر مولود الوسية جهود ميشيل سرفاتي في مساعدة الجالية المسلمة. وأضاف: "بفضل الحاخام سرفاتي تمكنا من فتح مسجدنا في هذا الشارع قبل 20 عاماً. لقد اتصل بعمدة المدينة وأبلغه بأنَّ هناك مبنى متاحاً هنا، لكن العمدة سأله: "ألا تخاف من المسلمين؟" فيما كانت إجابة ميشيل سرفاتي قاطعة بالنفي قائلاً: "نريدهم أن يكونوا قريبين منا لنعزز الأخوة والجيرة".

 

 

ليزا لويس

ترجمة: م. ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

Qantara.de/ar