ألمانيا: إسرائيل وفلسطين أكثر صراع تأجيجا للعواطف
منذ السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 وأنتما تنشطان وتتحدَّثان إلى الشباب في المدارس حول حرب الشرق الأوسط. وتكتبان في قنوات التواصل الاجتماعي لديكما حول مدى تأثير الوضع العام عليكما شخصيًا في بعض الأحيان أيضًا. ولذلك لنبدأ أوَّلًا بسؤالكما: كيف حالكما؟
جوانا حسون: بصراحة أنا لا أعرف. حاولت اتِّباع نصيحة أمّي والتوقُّف تمامًا عن العمل لثلاثة أيَّام، على الرغم من أنَّ ذلك كان صعبًا للغاية بالنسبة لي. والآن يجب عليَّ التعامل من جديد أكثر مع الوضع وكذلك مع مشاعري نحو هذا الوضع.
شاي هوفمان: أنا قلق على المنطقة والناس الذين يعيشون هناك والذين أحبهم. وقلق من احتمال تطوُّر المزيد من بؤر التوتُّر هناك. وأنظر في الوقت نفسه إلى الأمم المتحدة، حيث وجَّهت جنوبُ أفريقيا لإسرائيل تهمة ارتكابها جرائم إبادة ويجب عليها أن تدافع عن نفسها.
والحكمُ الصادر من محكمة العدل الدولية في لاهاي سيؤثِّر أيضًا على كيفية الحديث حول هذا الموضوع هنا في ألمانيا. نحن نلاحظ وجود مستوايات عالية من القلق وعدم اليقين وكما أرى فإنَّ المزاج العام سيستمر في التشدُّد ويصبح أكثر تعقيدًا. وأنا أخشى من احتمال زيادة الكراهية بين المسلمين واليهود.
"لا يوجد صراع يثير العواطف إلى هذا الحدّ"
ما هو سبب تركيزكما في عملكما على الشباب بالذات؟
جوانا حسون: لقد كان السبب شجارًا عنيفًا بين طالب ومعلم في مدرسة ثانوية في برلين. والعنف ليس حلًا أبدًا بصرف النظر عن موقف الفرد من إسرائيل وفلسطين. لا يوجد أي صراع في العالم يثير العواطف إلى هذا الحدّ مثل صراع الشرق الأوسط.
لقد أظهر لنا هذا أنَّنا يجب علينا أن نستوعب هذه المشاعر ونتصدَّى لها. ويجب علينا كشخصين لدينا جذور فلسطينية ويهودية أن نواجه ذلك. ويجب علينا أن نخلق مساحة يمكننا فيها الحديث عن الأحداث والاستماع وتصنيف ما يحدث.
وإذا لم نفعل ذلك وخاصةً ضمن سياق المدارس فإنَّنا نترك الشباب للمحرِّضين ولوسائل التواصل الاجتماعي والأشخاص غير العقلانيين الذين ربَّما لا يريدون سوى نشر الكراهية والتحريض.
شاي هوفمان: الناشئون والشباب فئة ضعيفة جدًا. فمن الممكن التلاعب بهم لأنَّهم غير واثقين. وهم منشغلون بكونهم يعيشون سنِّ المراهقة. وإذا أردنا الوصول إليهم فمن الممكن فعل ذلك إلى حدّ كبير من خلال المدرسة كمكان للتعليم. وبما أنَّ المعلين قد منحونا حقَّ الوصول إلى هذه الأمكنة فنحن نعتبر ذلك مسؤولية كبيرة وامتيازًا وتعبيرًا منهم عن ثقتهم بنا.
ما هي المشاعر التي تجدانها لدى الطلاب؟
جوانا حسون: الخوف والغضب والإحباط وعدم الفهم وأحيانًا الألم. ولكن يوجد أيضًا شباب وناشئون يقولون: "نحن ممتنُّون لأنَّنا نستطيع العيش بأمان"، ويعتبرون ذلك امتيازًا لهم.
شاي هوفمان: وهنا يبدأ أيضًا الوعي بالديمقراطية. ومهمة المدارس والمجتمع المدني هي أيضًا أن يبقى الوضع على هذا النحو وأن نعيش في سلام وأَلَّا نخاف من أن تسقط على أسطح منازلنا قنبلة. ويجب علينا أن ندرك أنَّ العيش في ظلِّ نظام ديمقراطي ليس أمرًا بديهيًا وخاصةً الآن مع قيام المزيد من الدول السلطوية.
جوانا حسون: من المحزن حقًا أن نرى أنَّ الشباب الذين يجب أن ينشغلوا بأشياء جميلة لديهم خفون من اندلاع حرب عالمية ثالثة. وأحيانًا تنهمر الدموع أيضًا من شباب وناشئين متضرِّرين بشكل مباشر من صراع الشرق الأوسط وكذلك من مصابين بصدمات نفسية بسبب الحروب الأخرى.
ولكن يبكي أحيانًا الشباب والناشئون لأنَّهم يقولون: "توجد الكثير من المشكلات مثل كارثة المناخ وغيرها وأنا لا أعرف حتى بماذا يجب عليّ أن أهتم أيضًا. أنا مرهق للغاية بمشاعري".
انعدام التفكير النقدي الذاتي لدى السياسيين
بماذا تريدان زيادة مستوى وعي الشباب؟
شاي هوفمان: نحن نريد زيادة مستوى وعيهم بضرورة الاستماع والتعاطف وكذلك بالتأمل الذاتي والتسامح مع الغموض. ونريدهم أن يتعلموا السماح بسماع الآراء المختلفة وعدم محاولتهم الإصرار طوال الوقت على آرائهم الخاصة.
ونريدهم بدلًا من ذلك أن يفهموا أيضًا رأي الشخص الآخر ربَّما كمُكَمِّل لصورتهم الخاصة عن العالم. وهدفنا لدى المعلمين هو أن يتحدَّثوا مع طالباتهم وطلابهم حول مشاعرهم أيضًا وليس فقط إجراء الاختبارات وكتابة تحليلات شعرية.
ما الذي يرهقكما بشكل خاص وما الذي يمنحكما القوة؟
جوانا حسون: أنا عشتُ الحرب بنفسي وعندما أشاهد صور الحرب -صورًا تنشرها عائلتي في لبنان- أعود بنفسي إلى وسط الحرب. وعندما أشاهد صور الأطفال في غزة أو صور مجزرة السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 أُفكِّر حينها أنَّنا فقدنا كلَّ الإنسانية.
وأكثر ما يرهقني هو أنَّ معظم الناس لا يرون سوى صور الأعداء وليس البشر. مثلًا أنَّ: "جميع الذين يموتون في غزة هم إرهابيون ومن أتباع حماس"، وبالعكس: "جميع الذين ماتوا في مجزرة السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر هم أعداؤنا". وما يمنحني الأمل والقوة أيضًا هو كلُّ هذا الدعم الذي نحصل عليه من المجتمع ككلّ وفي بعض الحالات أيضًا من وسائل الإعلام. وكذلك الملاحظات التي نتلقاها من الطلاب والمعلمين.
شاي هوفمان: أنا يرهقني الانقسام الأيديولوجي الذي يقسِّم العائلات ويقسِّم عائلتي أيضًا. ثم يشغلني بطبيعة الحال السؤال حول كيف ستطوَّر الأحداث في المنطقة من الناحية الجيوسياسية. وأجد بالنظر إلى ألمانيا أنَّ الارتفاع المُوَثَّق في معاداة السامية والعنصرية المعادية للمسلمين أمرٌ مثير للقلق.
ولكن في الوقت نفسه فإنَّ انعدام التفكير لدى بعض السياسيين يعتبر مخيفًا وكذلك الطريقة التي يرد بها المجتمع على الأحداث، وذلك لأنَّ ردود الفعل هذه غالبًا ما تتحوَّل إلى نقاش عنصري. وهذا يعني أنَّنا ندور دائمًا في دائرة مغلقة.
وهذا يبدو من ناحية أخرى وكأنَّنا نحاول أنا وجوانا أن نلعب في المدارس دور رجال الإطفاء ونحمل خرطومًا رفيعًا لا تخرج منه سوى بضع قطرات من الماء لإخماد هذا الحريق.
"مهتمان بالمساواة والاعتراف"
كيف تجدان ثقافة النقاش الحالية في ألمانيا؟
جوانا حسون: على الرغم من أنَّ الأصوات اليهودية المنتقدة لإسرائيل تستطيع -هنا في ألمانيا- التعبير عن آرائها فإنها تُلغى، أو يُقال لهم إنَّهم يهود يكرهون أنفسهم. وبطبيعة الحال لا أحد يستطيع أن يتحدَّث باسم جميع اليهود تمامًا كما لا أحد يستطيع أن يتحدَّث باسم جميع الفلسطينيين.
ولكن مع ثقافة الإلغاء هذه أتساءل -وأنا لا أتحدَّثُ عن الأشخاص المستعدِّين لاستخدام العنف المعادين للسامية ويرتكبون جرائم أيضًا- بل أتحدَّث عن المستعدِّين للحوار: إذا ألغينا جميع الذين ينتقدون الإسرائيليين أو الفلسطينيين، فمن سيبقى بعد ذلك؟ المتطرِّفون مثلاً؟ أم الذين يمكننا التسامح مع آرائهم؟
نحن لا نُمثِّل أية إيديولوجية بل لدينا رسالة. نحن معنيان باللقاء والمساواة والاعتراف ومكافحة معاداة السامية والعنصرية. ونحاول إمَّا أن نضع مرآة أمام ثقافة النقاش المسمَّمة جدًا في بعض الأحيان -علمًا بأنَّها كذلك في كلا الاتجاهين- أو نحاول التصدِّي لها. ولكنني أدرك أنَّني كفلسطينية يجب عليَّ أن أُعبِّر عن نفسي مرة واحدة فقط "بشكل خاطئ" من وجهة نظر هذا الطرف أو الطرف الآخر وسينتهي كلُّ شيء بالنسبة لي.
ما هو المناخ الأمثل الذي تتمنيانه من أجل التعايش والمناقشات؟
شاي هوفمان: أتمنى أوَّلًا أن يستمع بعضنا إلى بعض. ففي ثقافة النقاش الألمانية على سبيل المثال لا يوجد أي اهتمام بالخطابات الدولية على الإطلاق. وهكذا فإنَّ السؤال حول تقييم منظمات حقوق الإنسان للوضع وماهية المصطلحات التي تستخدمها لا يكاد يلعب أي دور في النقاش هنا في ألمانيا.
وعندما نتوقَّف عن رفع الأعلام الحمراء على كلِّ شيء فإنَّ هذه التضاريس ببساطة لن تبقى بمثابة حقل ألغام. وعندئذ سنبدأ أخيرًا الحديث بصراحة حول حقيقة الأمر وما الذي يسير بالضبط على نحو خاطئ.
ولذلك فإنَّ أوَّل ما يجب فعله هو الاستماع. ومن المهم ألَّا نبدأ مباشرة باللوم والتأنيب لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى فقدان الطرف المقابل مقدرته على الكلام ويؤدِّي كذلك إلى تخويفه.
فعلى سبيل المثال كثيرًا ما يكون من الصعب العثور على أشخاص فلسطينيين للمشاركة في البرامج الحوارية، وذلك لأنَّهم يخافون ببساطة من التعبير عن آرائهم. ويا ترى من المستفيد من ذلك؟ هذا على الأقل لا يفيد ثقافة نقاش صحية ومبنية على الاحترام ويستمع فيها الناس لبعضهم ويتبادلون باحترام الحجج التي تفضي إلى التفاهم المتبادل.
جوانا حسون: يجب علينا أن نعترف بآلام الآخرين.
حاورتهما: جيداء نورتش
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024
المزيد من مقالات قنطرة التحليلية:
قطيعة بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب حرب غزة؟
اختلال توازن الخطاب الألماني حول حرب غزة
ما بعد الجحيم - خمسة سيناريوهات لمستقبل غزة
موقف ألمانيا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي