نقد حظر ألمانيا لشعار "من النهر إلى البحر" بمجمله
في نوفمبر / تشرين الثاني 2023 -وفي إطار حظر حركة "حماس"- قامت وزارة الداخلية الألمانية بتعريف عبارة "من النهر إلى البحر" بأنها رمز لحركة حماس، وحظرتها في ألمانيا، وبررت وزارة الداخلية ذلك بأن أي شخص يطالب بأحقيته بالكامل في المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط يضع بشكل تلقائي حق إسرائيل في الوجود محل شك وبالتالي يُعتَبر معادياً للسامية. يعود تاريخ هذه العبارة في الواقع إلى الستينيات، وبالتالي فهي أقدم من حركة حماس. ولكن بعد أن احتفل المتظاهرون بفظائع السابع من أكتوبر بشعار "من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة" From the river to the sea, Palestine will be free أصبح الشعار يُفهم من بعدها على أنه شعار تحريضي ضد اليهود.
لكن هذا الفهم قاصر جدا. فبهذا الشعار تطالب الغالبية العظمى من الناس بفلسطين خالية من الاحتلال والقمع، وهم بذلك يصيغون مطلباً شرعياً. والسؤال الحاسم هو من يردد هذه العبارة، وفي أي سياق، وما هي التصورات عن فلسطين المرتبطة به؟
إلى جانب نسخة حماس الممجدة للعنف يوجد تفسيران آخران: إما أن يكون الهدف هو إنهاء الاحتلال في المناطق المحتلة منذ عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، أو أن الهدف هو حل الدولة الواحدة التي يتساوى فيها جميع السكان قانونياً. وفي ضوء وجود سبعة ملايين يهودي وسبعة ملايين من غير اليهود في المنطقة يمكن أن تحوِّل هذه الخطوة إسرائيل على المدى المتوسط من دولة يهودية إلى دولة لجميع المواطنين. ولا يدعو قائل الشعار -في الحالتين كلتيهما- إلى طرد اليهود أو حتى القضاء عليهم.
تقييمات المحاكم مختلفة
ولتوضيح ذلك قام نشطاء بتعديل الجزء الثاني من الشعار. فبدلاً من " فلسطين ستكون حرة" Palestine will be free، يقولون "نحن نطالب بالمساواة" we demand equality أو "يجب أن يكون الجميع أحرار" everyone must be free. ورغم ذلك تُزال مثل هذه الملصقات أيضاً في ألمانيا من قِبَل الشرطة.
تفحص المحاكم الألمانية الآن إنْ كانت الدعوة إلى المساواة والحرية للجميع تُعتبر معاداة للسامية، وهنا تصل المحاكم إلى تقديرات مختلفة فيما بينها. ترى المحكمة الإدارية الاتحادية في ولاية هيسن أن اعتبار شعار "من النهر إلى البحر - ستكون فلسطين حرة! من أجل فلسطين حرة لكل الناس!" يستحق العقاب هو "أمر مشكوك فيه للغاية"، وقررت المحكمة أنه لا يجوز حظره في المظاهرات.
وفي المقابل أكدت المحكمة الإدارية في ولاية بادن فورتمبيرغ قرار مدينة فرايبورغ الذي حظر الشعار شفهياً وكتابياً في إحدي المسيرات.
تحليل نقاش ألمانيا حول حرب غزة
طريقة نقاش ألمانيا لحرب غزة بين إسرائيل وحماس اتَّبعت -في كثير من جوانبها- ديناميكية خطاب هيكلية معروفة في أزمنة الحرب. تحليل الباحثتين الألمانيتين هانا بفايفر وإيرينه فايبرت-فينَر.
يوجد متطرفون على الجانبين
يصبح التعامل مع نصف الشعار (مع عِبَارة: من النهر إلى البحر) إشكاليا إذا جُرِّمَ من جانب واحد. فالحكومة الإسرائيلية الحالية تطالب بأحقيتها في كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن -أي من النهر إلى البحر- لصالح Eretz Israel، أي لصالح إسرائيل الكبرى. وعدد من الوزراء الإسرائيليين لا يجردون الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير وسيادة الدولة فحسب، بل لا يعترفون أيضاً بحقهم في الوجود كشعب إجمالاً.
ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعمل علناً منذ عقود على منع قيام دولة فلسطينية. وقد أكد حزب الليكود الذي يتزعمه في برنامجه عام 1977 -أي قبل عشر سنوات من تأسيس حماس- أنه "بين البحر والأردن" هنالك سيادة إسرائيلية فقط.
ولذلك فإن المتطرفين من كلا الجانبين يربطون نصف الشعار (أي عِبارة: من النهر إلى البحر) بادعاءات تتجاهل حقوق الشعب الآخر - لكن الحكومة الألمانية لا ترى سوى المتطرفين في المعسكر المؤيد للفلسطينيين. إن معاقبة اليهود المنتقِدين -أصحاب النظرة النقدية- في ألمانيا لمطالبتهم بالحرية لجميع الناس بين نهر الأردن والبحر المتوسط، بينما في الوقت نفسه تُدعَم حكومة إسرائيلية عنصرية، لديها خطط سافرة لضم الأراضي -بالكلمات والمال والأسلحة- لهو نهج خاطئ ومثال آخر على المعايير المزدوجة لألمانيا في صراع الشرق الأوسط.
كريستين هيلبيرغ
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2024