الدكتاتورية هى الحل

بعد أن كان الغرب ينظر إلى الكتّاب المصريين كقوة من أجل الخير، أثار دعم بعض أشهر الكتّاب المصريين للحكم العسكري -وتخليهم عن المطالبة بالديمقراطية وحكم القانون- الصدمة والفزع. مارسيا لينكس كويلي تبحث لموقع قنطرة عن الأسباب المحتملة لذلك.

الكاتبة ، الكاتب: مارسيا لينكس كويلي

في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2014 جاء علاء الأسواني، أحد أبرز الكتاب المصريين وأكثرهم مبيعاً، إلى لندن لحضور حفل افتتاح مؤتمر غينكو، الذي يهدف إلى جمع "الشرق والغرب". وجود المؤلف المصري في لندن لم يشعل الأجواء بقدر ما أشعله حضوره في باريس في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، عندما تقدم محتجون باتجاه المنصة التي كان يلقي عليها خطاباً، ما اضطره إلى الانسحاب من الباب الخلفي. لكن وجوده في لندن جعل بعض الأصوات ترتفع، سواءً ضد المؤتمر أو ضد برنامج "هارد توك" الذي تبثه قناة "بي بي سي" ويقدمه ستيفن ساكور.

 المسألة تتعلق بمدى تغير موقف الأسواني، صاحب المقولة الشهيرة "الديمقراطية هي الحل"، من دعم الديمقراطية في مصر منذ الثلاثين من يونيو/ حزيران عام 2013، إذ كان الأسواني وقتها قد أيد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي واستبداله بحكم عسكري.

 فخلال جلسة سؤال وجواب على هامش المؤتمر، سألت الصحفية الفرنسية الجزائرية نبيلة رمضاني الأسواني: "يبدو أنك تعتقد بأن الحكم العسكري هو الإجابة على كيفية التعامل مع المذهب الوهابي. إنها لصدمة أن نراك تبيع الديمقراطية كمشروع أدبي أو خيالي، وأنك تجني المال منها دون أن تؤمن بها".

 لكن إذا ما كان علاء الأسواني قد نأى بنفسه عن المطالبة العاجلة بالديمقراطية، فإنه ليس وحيداً بين الكتّاب والمؤلفين المصريين، الذي عبر الكثير منهم عن دعمهم للحاكم العسكري الحالي، عبد الفتاح السيسي، رغم بطء التحرك نحو انتخابات برلمانية والقمع المستمر على حرية التجمهر وحرية الرأي.

 أما الكاتب المسرحي علي سالم، الحائز على جائزة الشجاعة المدنية البريطانية، والتي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار، عام 2008 لعلاقته مع إسرائيل، فقد طالب بقتل المعارضين للحكومة خارج إطار القانون، وذلك في عمود صحفي كتبه شهر مايو/ أيار 2014 بصحيفة "المصري اليوم". كما أن الكاتب المصري المعروف جمال الغيطاني، مؤلف رواية "الزيني بركات" الشهيرة، مدح قوة الدولة الحالية وكتب أنها انتصرت على الإخوان المسلمين بفضل الجيش. وفي العام الماضي 2014، تم افتتاح صفحة على موقع "تمبلر" بعنوان "sisimocracy" كي تكون بمثابة "جدار خزي لكل المثقفين الموالين للطاغية".

 ورغم ذلك، فقد حافظ عدد من الكتّاب على نقدهم لحاكم مصر الجديد، مثل الكاتب الساخر بلال فضل، الذي ترك عمله في صحيفة "الشروق" بعد أن حظرت مقالاً له عن السيسي. أما الكاتبة البريطانية المصرية أهداف سويف، فما تزال مستمرة في الاحتجاجات، ومعها آخرون.

Alaa Al Aswany (photo: Reuters)
Prominent writer Alaa al-Aswany walks with anti-Morsi protesters as they chant anti-government slogans in Tahrir Square, Cairo, 27 November 2012. On this day, tens of thousands of Egyptians protested against President Morsi in one of the biggest rallies since Hosni Mubarak's overthrow, accusing the Islamist leader of seeking to impose a new era of autocracy

قديسون أدبيون؟

 تغيير الكثير من المثقفين المصريين آراءهم لصالح النظام أثار نقاشاً محتدماً داخل مصر وخارجها. ففي الغرب، الذي طالما نظر إلى الكتّاب المصريين كقوة "نقية" للخير، فإن رد الفعل على هذا التغير كان الصدمة. فقبل عام على ثورة 25 يناير 2011، كتبت كلاوديا روث بييربونت في مجلة "نيويوركر" الأمريكية: "هناك خطر ضئيل مما يسمى بالبروباغاندا الرسمية (في الروايات العربية)، وذلك لأن الروائي العرب – بحكم التعريف تقريباً – يعتبر مفكراً وقناة للحياة الثقافية، ما يشكل معارضة لقوى الرجعية في الدول العربية المعاصرة.

 وفي السنوات القليلة الماضية، فإن أولئك الكتّاب الذين لم يقفوا بشكل كامل مع المحتجين، سواءً في مصر أو في سوريا، فقد طواهم الماضي.

 لكن يبدو أنه لا يوجد أي كاتب أثار قدراً كبيراً من النقاشات مثل الكاتب المحبوب على نطاق واسع صنع الله إبراهيم، الذي كان محور نقاش "الانقلاب القمعي: عن حالة المثقفين المصريين" بمدينة نيويورك خلال الخريف الماضي. وبالرغم من أن دعم إبراهيم للسيسي كان ضئيلاً، إلا أن التركيز كان عليه، لأنه كان معروفاً بمعارضته للنظام طوال حياته وأيضاً لأنه يُعتبر من بين أكثر الكتّاب المصريين تأثيراً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب نجيب محفوظ.

 في هذا النقاش، الذي جرى في التاسع من سبتمبر/ أيلول 2014، قال روبين كريسويل، الذي ترجم رواية "تلك الرائحة" إلى الإنجليزية، إن إبراهيم كان يُنظر إليه على أنه "مثل قديس أدبي".

 خوف حقيقي

Gamal al-Ghitani at a reading at Deutsche Welle in 2005 (photo: DW)
Gamal al-Ghitani at a reading at Deutsche Welle in 2005. According to Marcia Lynx-Qualey, critically acclaimed Egyptian novelist Gamal al-Ghitani, lauded Sisi and supported the killings of Muslim Brotherhood protesters in 2013

 إن دعم صنع الله إبراهيم للسيسي قاد إلى إعادة قراءة لكافة رواياته. وفي الحدث الذي جرى بنيويورك، حاول كل من كريسويل والمؤرخ خالد فهمي والباحثة المستقلة منى الغباشي شرح سبب عدم انتقاد الكتّاب والمؤلفين، ومن بينهم إبراهيم، السيسي بقوة.

 لقد جادل كريسويل بأن الكثير من الاتجاه إلى مساندة السيسي ينبع من "خوف حقيقي"، ذلك أن المكان الذي شهد أكبر تجمع لمناصري الإخوان المسلمين إبان حكم مرسي كان أمام وزارة الثقافة، وهو أمر اعتبره الكثير من الكتّاب والمثقفين تهديداً مباشراً لهم.

 أما فهمي، فقد أشار إلى أن انهيار سوريا والعراق عزز من هذه المخاوف أيضاً، وهو مبرر في بعض الحالات. لكن الخوف، بحسب قوله، لا يعني قتل أنصار الإخوان المسلمين بحصانة كاملة أو دعم جرائم القتل هذه. وأضاف فهمي: "هذه هي التهمة الحقيقية التي أوجهها للمثقفين المصريين".

ومقارنة بظهور الأسواني في لندن، فإن الجلسة التي جرت في نيويورك مرت بسلام، وإن كانت أحادية الجانب بشكل كبير.

 ويقول الكاتب المصري يوسف رخا في حوار بعد اللقاء: "أنا لست متأكداً من أن السؤال هو حول فشل المثقفين في انتقاد السيسي. السؤال هو في كيف وصل المجتمع والثقافة إلى وضع لا بديل فيه عن السيسي سوى إيران سنية!"

 وأضاف رخا، الذي شدد على أنه معارض للسيسي، أنه لا يتفق مع وصف اللقاء في نيويورك بأنه "قمعي"، معتبراً أنه وبدلاً عن التظاهر العام ضد الرئيس، فهو مهتم أكثر بالأعمال التخريبية الفردية. وحول ذلك يتابع بالقول: "إذا أنفق عُشر الطاقة ... على اللادينية والثورة الجنسية، ربما كنت سأتفهم ذلك".

 وفي ذات الوقت، يصف كافة الكتّاب عالماً يصعب فيه مناقشة هذه القضايا عبر خطوط الانتماء، لأن الأصوات تعلو بسرعة، والنقاشات على موقع "فيسبوك" تتحول بسرعة إلى اختلافات حادة في الرأي.

 ولكن فهمي لا يزال يأمل بأن يعيد بعض الكتّاب المصريين النظر في دعمهم للسيسي، مضيفاً: "من المهم أن يبقى الباب مفتوحاً، لأن مصر الآن مقسمة بشكل كبير للغاية".

 

 

مارشا لينكس كويلي

ترجمة: ياسر أبو معيلق

 حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de