هجمة تركية "خاطئة لكن أسبابها مفهومة"
واجهت العملية العسكرية التركية ضدَّ الأكراد السوريين في عفرين انتقادات من جميع الأحزاب في ألمانيا، وكذلك يحظى الأكراد بتعاطف واضح من قِبَل وسائل الإعلام الألمانية. صحيح أنَّ انتقاد العملية التركية في عفرين مبرَّرٌ إجمالاً، غير أنَّ مَنْ يتجاهل مخاوف أنقرة الأمنية يُبَسِّط الأمور كثيرًا. فتركيا في الواقع تجد نفسها مهدَّدة، عندما يستقر على حدودها الجنوبية فرع من جماعة متمرِّدة تخوض منذ ثلاثة عقود في جنوب شرق تركيا معركة دموية ضدَّ الدولة. فعلى العكس مما يتم عرضه كثيرًا في ألمانيا، فإنَّ "حزب الاتِّحاد الديمقراطي" الكردي السوري (PYD) وذراعه العسكرية، أي وحدات حماية الشعب (YPG)، ليسا فقط مقرَّبين من حزب العمال الكردستاني الكردي التركي (PKK) من الناحية الأيديولوجية، بل ويعتبران أيضًا مرتبطين به هيكليًا وشخصيًا ارتباطًا وثيقًا، بحيث أنَّ بعض الخبراء يتحدَّثون هنا عن وحدة عضوية. وحزب الاتِّحاد الديمقراطي تم تأسيسه في عام 2003 ليس فقط كفرع سوري من حزب العمال الكردستاني، بل إنَّه لا يخفي اليوم أيضًا قربه من حزب العمال الكردستاني. عبدالله أوجلان حاضر في كلِّ مكان
في مكاتب وحدات حماية الشعب عُلـِّقت صور مؤسِّس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في تركيا، وفي احتفالات وحدات حماية الشعب يتم رفع أعلام عبد الله أوجلان، وبعد استيلائهم على مدينة الرقة، معقل الجهاديين، كان أوَّل ما قام به مقاتلو وحدات حماية الشعب هو تعليق صورته في وسط المدينة. وبالإضافة إلى ذلك فقد نقل الصحفيون من الرقة أنَّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني يلعبون دورًا مركزيًا في الهياكل القيادية لوحدات حماية الشعب. صحيح أنَّ اعتبارهما تنظيمًا واحدًا قد يكون أمرًا مبالغًا فيه كثيرًا، ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار ارتباط وحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني.لا يزال يتم حتى يومنا هذا وخاصةً لدى أجزاء من اليسار الألماني الرفع من قيمة حزب العمال الكردستاني باعتباره حركة تحرُّر ثورية تكافح من أجل الحرِّية والديمقراطية وحقوق المرأة. غير أنَّ حزب العمال الكردستاني في الواقع هو حزب كادر [شيوعي ماركسي لينيني] عقائدي سلطوي، يتميَّز بتقديس زعيمه، ويعتبر منذ تأسيسه العنف والبطش الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه. كما تعتمد سياساته على الاستقطاب والقمع؛ إذ إنه يحارب كلَّ مَنْ لا يؤيِّده، ويقضي على معارضيه الداخليين، ويضطهد الجماعات المنافسة له، ويعاقب المنشقين والمتراجعين والمتعاونين المزعومين مع الدولة.
وعنف هذا الحزب لا يستهدف فقط الجنود ورجال الشرطة وحدهم، بل يستهدف أيضًا السياسيين والمعلمين. كما أن هذا الحزب يقبل بوقوع ضحايا مدنيين؛ حيث يمثِّل قمع الدولة جزءًا من حسابه لتعبئة السكَّان الأكراد. ومن خلال قراره القاضي بنقل الحرب في خريف عام 2015 إلى المدن، فقد وضع سكَّان المدن في خط النار. ومنذ وقت طويل يرفض حزب العمال الكردستاني المفاوضات، وحتى خلال محادثات السلام الفاشلة في عام 2015، رفض قسم من قيادته التخلي عن العنف. وفي ظلِّ هذه الحقائق لا عجب من أنَّ الحكومة التركية غاضبة من تسليح الولايات المتَّحدة الأمريكية للفرع السوري من هذه الجماعة في الحرب ضدَّ الجهاديين. لا بدَّ من أن يكون المرء ساذجًا جدًا ليعتقد أنَّ هذه الأسلحة لن تدعم حرب حزب العمال الكردستاني ضدَّ تركيا. إنَّ ما يثير غضب تركيا بشكل خاص هو تمسُّك الولايات المتَّحدة الأمريكية -وحتى بعد الانتصار على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)- بتحالفها المثير للجدل مع هذه الجماعة الكردية وتشكيل قوة حراسة للحدود قوامها ثلاثون ألف جندي بمشاركة مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.وحدات حماية الشعب - صديق الغرب؟ لقد أصبحت ميليشيات وحدات حماية الشعب في الواقع حليفًا مهمًا من الصعب التخلي عنه في الحرب ضدَّ الجهاديين، ولكن هل تعتبر هذه الوحدات لهذا السبب صديقًا للغرب؟ وإنْ كان الأكراد السوريون قد حاربوا ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإنهم لم يفعلون ذلك من أجل خدمة الغرب، بل من أجل مصلحتهم الخاصة. وقد كان هدفهم هو تحرير مدنهم وقراهم الخاصة، زِدْ على ذلك أنَّهم وضعوا مناطق كبيرة غير كردية تحت سيطرتهم، يمكنهم استخدامها كورقة للمساومة عند التفاوض على نظام ما بعد الحرب.
وفي أنقرة تتم متابعة ازدياد قوة وحدات حماية الشعب بقلق لأسباب مفهومة. وبالنسبة لتركيا من الصعب القبول بأن يبني فرع من حزب العمال الكردستاني هياكل شبه حكومية على حدودها الجنوبية، ويتم دعمه في ذلك أيضًا من قبل شريكها في حلف الناتو الولايات المتحَّدة الأمريكية. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الهجوم التركي في عفرين خاطئ. فعلى العكس من ادِّعاء أنقرة، لا يصدر أي تهديد حاد لتركيا من داخل المنطقة السورية. وبالنسبة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب فإنَّ عملية بناء وحماية مشروعهما للحكم الذاتي في سوريا تحتل أولوية -إلى إشعار آخر- قبل الحرب ضدَّ تركيا. بالإضافة إلى ذلك بإمكان أنقرة أن تؤكِّد أيضًا بقدر ما تريد أنَّها لا تستهدف إلَّا "إرهابيين"، لأنَّ هذا الهجوم يصيب المدنيين أيضًا. وهذا مؤلم أكثر، لا سيما وأنَّ عفرين كانت حتى بداية الهجوم التركي بمنأى عن العنف إلى حدّ كبير، بينما يمزِّق العنف بقية مناطق سوريا منذ سنين. صراع يمكن حله سياسيًا فقط وهذا الهجوم هو خاطئ أيضا لأنَّ وحدات حماية الشعب وعلى الرغم من ارتباطاتها الوثيقة بحزب العمال الكردستاني، إلَّا أنَّها لعبت دورًا إيجابيًا أكثر في سوريا. وبالمقارنة مع المعارضة المُنقسمة والمُتنازعة والتي يهيمن عليها الإسلاميون، فإنَّ وحدات حماية الشعب تمثِّل الاستقرار والاعتدال. كما أنَّ مشروع الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا يمكن اتِّخاذه حتى كنموذج لبقية أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أنَّ الهياكل الحالية للكانتونات الكردية هي أيضًا ديمقراطية وتعددية جزئيًا فقط، بيد أنَّ هذا الشكل من الإدارة الذاتية تقدميٌ ويتطلع إلى المستقبل. تركيا لا يمكن إلَّا أن تفشل إذا كان هدفها الفعلي هو فرض سيطرتها على عفرين وعلى غيرها من الكانتونات الكردية. إذ إنَّ أفراد ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية مسلحون تسليحًا جيِّدًا وماهرون في القتال كما أنَّهم متجذِّرون بعمق في السكَّان الأكراد.
وهذا الهجوم خاطئ قبل كلِّ شيء لأنَّ أنقرة تحاول من خلاله عسكريًا تسوية نزاع لا يمكن حسمه إلَّا سياسيًا. ومن دون تقديم تنازلات سياسية وثقافية -مثلما كانت قد تمت مناقشتها خلال عملية السلام- لا يمكن ببساطة نزع فتيل الصراع مع حزب العمال الكردستاني.
وبعكس ذلك إذا اعتمدت تركيا على العنف، فيجب عليها ألَّا تندهش عندما يتم تجاهل مصالحها الأمنية الخاصة. وطالما أنَّ تركيا تواجه مساعي الأكراد المشروعة للمزيد من تقرير المصير قبل كلِّ شيء بالقمع ، فسيكون من السهل أيضًا على حزب العمال الكردستاني أن يعمل كمدافع عن الأكراد وعن الحرِّية. ولكن في المقابل إذا نجحت أنقرة في تسوية النزاع مع الأكراد، فعندئذ لن تضطر بعد ذلك للخوف أيضًا من تطلعات الأكراد إلى نيل حكم ذاتي خلف حدودها الجنوبية. أولريش فون شفيرينترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de