المرأة في حزب العمال الكردستاني: الصورة التي خدعت العالم
ذكر موقع هوليوود ريبورتر (The Hollywood Reporter) أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون وابنتها تشيلسي، تعملان على إنتاج مسلسل درامي عن نساء كرديات قاتلن ضدّ "داعش" في مدينة كوباني. وقال الموقع أن فكرة المسلسل مأخوذة من كتاب "بنات كوباني: قصة تمرد وشجاعة وعدالة" ('The Daughters of Kobani: A Story of Rebellion, Courage, and Justice') للكاتبة الأمريكيّة Gayle Tzemach Lemmon .
طبعاً هذا خبر رائع جدّاً، لأنه يلفت أنظار العالم إلى مأساة الكرد، وواقع المرأة الكرديّة، ومشاركتها في النضال السياسي والعسكري. لكن المرأة الكرديّة ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني تحمل السلاح وتقاتل الجيش التركي منذ 1984؟ لماذا لم يلتفت الأمريكيون والأوروبيون إلى بطولتها وشجاعتها، وهي على قمم الجبال، تقاتل الجنود الأتراك، حلفاء الأمريكيين والأوروبيين في الناتو؟!
ما الذي جعل العالم يستيقظ فجأة على شجاعة المرأة الكرديّة، بعد كل هذه السنوات؟ هل تنظيم "داعش" الإرهابي الذي هاجمهم في واشنطن ومدريد ولندن وبرلين وباريس وبروكسل، هو الذي أيقظ العالم وجعله يكتشف أن المرأة الكرديّة تقاتل بالنيابة عن الجيش الأمريكي والجيوش الأوروبيّة؟ والحال هذه؛ هل عليّ توجيه الشكر لـ"داعش" لأنه جعل العالم يلتفت إلى مآسي الكرد ونسائهم!؟ أم عليّ شكر حزب العمل الكردستاني، لأنه جنّد القاصرات وجعل المرأة الكرديّة تحمل السلاح؟! لن أفعل هذا أو ذاك أبداً. إذا كانت المرأة الكرديّة جميلة وهي تحمل البنادق، في نظرهم، فهي أجمل، وهي تحمل الورد والقلم والأطفال أيضاً.
يزور الصحافي الألماني أو البلجيكي أو الأمريكي المناطق الكرديّة في شمال سوريا، وكأنه يقوم بجولة سياحيّة، يخرج منها بقصّة خبريّة، أو فيلم وثائقي، أو كتاب. لا يتغلغل داخل المجتمع. لا يستمع إلى المعارضين والمنتقدين. لا يعرف عدد السجون، وأعداد السجناء! لا يعرف حجم التصفيات الداخليّة وحجم الفساد! لا يشير إلى الفاعل والمدير والقائد الحقيقي للسلطة الحاكمة هناك. فقط ينظر إلى المشهد بسطحيّة، ويستمع إلى السلطة التي ستقدّم أفضل صورة ممكنة للزائر الصحافي (السائح).
هذا ما جرى مع الكثيرين، ومنهم الصحافي البلجيكي لودو دو براباندير (Ludo De Brabander) الذي زار تلك المناطق، وخرج بكتاب "اليوتوبيا الكرديّة"، مادحاً السلطة الأوجلانيّة، رغم أن الاتحاد الأوروبي يصنّف حزب أوجلان بأنه "إرهابي". وعليه، إما براباندير يكذب؟ أو الاتحاد الأوروبي يكذب؟ إذ لا يمكن أن يكون كلاهما على صواب أو على خطأ!
الآن، يكفي أن تضع عبارة "المقاتلات الكرديات"، في محرك بحث أيّة قناة تلفزيونيّة أو جريدة أو مجلّة أو موقع إخباري في أوروبا، ستجد عشرات الروابط التي تحيلك إلى مواد مصوّرة، أو تقارير إخباريّة، أو مقالات رأي، أو دراسات وأبحاث تتناول الشؤون والشجون الكرديّة. خلاصتها؛ مديح لسلطة حزب العمال االكردستاني في شمال سوريا.
هذا التناول الإعلامي، بصرف النظر عن المحتوى، له إيجابيّاته وسلبيّاته أيضاً. لعل أبزر تلك الإيجابيّات؛ أن الحديث عن الكرد بهذا الزخم والغزارة والكثافة، مزعج جدّاً للأنظمة الحاكمة في أنقرة وطهران، ودمشق وبغداد. إزعاج وإقلاق راحة الدكتاتوريّات والأنظمة الفاشيّة والدينيّة، أمر في غاية الإيجابيّة السرور. ولا مناص من الحديث عن السلبيات في هذه الأسطر، التي لن تعجب العمال الكردستاني، واستطالاته وتفريخاته في سوريا، وأوروبا. وربّما لن تعجب بعض الأوروبيين والأمريكيين أيضاً.
أحياناً، وأنا أتصفّح بعض المواقع الألمانيّة أو البلجيكيّة، أصاب بالدهشة. وأسأل نفسي؛ هل الكاتب بتلك السطحيّة؟ لماذا لا يتعب نفسه في التحرّي والتقصّي؟ أم أن الأمر لا يهمّه؟ هو مكلّف من مؤسسته الإعلاميّة بإعداد تقرير أو القيام بتغطية إعلاميّة، وليس معنيّاً بالغوص في التفاصيل، والتقصّي والتحرّي أكثر. الصحافي أو الباحث الأوروبي، يبدو أنه تخلّى عن الفضول والمشاكسة، لتبيان الحقيقة. لماذا أقول هذا؟ لأن الصورة الجميلة البرّاقة التي يبرزونها للمقاتلات الكرديّات، تقف خلفها صورة مؤلمة ومحزنة ومؤسفة جداً، وبشعة أيضاً. الخوض في هذه الموضوع يحتاج سلسلة مقالات، ولا يمكن تلخصيه في مقال.
يحاول حزب العمال الكردستاني وزعيمه أوجلان، نسب شجاعة المرأة الكرديّة إلى نفسيهما، وأنهما من فتحا أمامها باب النضال من أجل حقوقها. لكثرة تنظيراته عن تحرر المرأة الكرديّة، يكاد أوجلان أن يعلن نفسه "إله تحرر المرأة عبر التاريخ". لكن أوجلان نفسه، علاقته مع زوجته السابقة كانت في غاية السوء. اتهمها أنها عميلة للمخابرات التركيّة، وخائنة. وهي التي شاركته في تأسيس (PKK)! لا أحد يسأل: لماذا أوجلان كان يجمع حوله كل تلك الفتيات المقاتلات في الشقق التي كان يملكها حزبه في دمشق؟ لا أحد يسأل: ماذا تفعل ثلاث نساء (مقاتلات) مع أوجلان في منزل السفير اليوناني في نيروبي، قبيل اختطافه واعتقاله؟ لا أحد يسأل: لماذا تلك النسوة الأوجلانيّات العقائديّات، تركن الحزب نهائيّاً؟! المقاتلات المنشقات عن الحزب، يعرفن حجم العنف اللفظي الذي كان يمارسه أوجلان على الكوادر النسائيّة. وأحياناً، كان يستخدم يده في تعنيفهن. لكن، قلّة قليلة منهن بُحن بذلك.
عموماً، المرأة الكرديّة كانت موجودة وفاعلة في الأحزاب والحركات الكرديّة في تركيا، التي سبق تأسيسها، تأسيس حزب العمال الكردستاني سنة 1978. ما يعني أن كلام الحزب وزعيمه عن أسبقيتهما في إشراك المرأة الكرديّة في السياسة والنضال، غير دقيق. صحيح أن مؤتمر حزب العمال الكردستاني التأسيسي حضره امرأتان؛ كسيرة يلدرم (زوجة عبدالله أوجلان السابقة) وساكينة جانسيز (اغتيلت في باريس- 9 يناير 2013) بالإضافة إلى العديد من الكوادر النسائيّة اللاتي لم يحضرن ذلك المؤتمر في 27/11/1978. لكن الصحيح أيضاً أن الحزب نفسه مارس القتل والتعذيب والتصفية الجسديّة ضد العديد من تلك الكوادر النسائيّة القياديّة في الثمانينات. فعلى سبيل الذكر لا الحصر: جميلة مركيت (Cemile Merkit)، بيرجان يلدز (Bircan Yıldız)، صائمة آشكن (Saime Aşkın)، مديحة بختيار (Mediha Bahtiyar)، آيتان يلدرم (Ayten Yıldırım) ولمياء باكسي (Lamia Baksi)... هذه نماذج من الكوادر النسائيّة القياديّة في الحزب، والتي تمّ إعدامها بأوامر من زعيم الحزب عبدالله أوجلان.
وهناك المئات ممن تعرّضن للتصفية داخل الحزب، لأسباب مختلفة، منها انتقادهن القيادات على الممارسات والانتهاكات التي تعرّضت لها الكوادر النسائيّة. لا أحد يذكر شيء عن عميلات الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي كانت وما تزال تحدث داخل الحزب! الحديث عن تلك الجرائم، أخطر من الجرائم نفسها، عند الحزب.
استثمار ورقة النسويّة للحدود القصوى، في الغرب والإعلام الغربي
يعرف العمال الكردستاني أن الأوروبيين والأمريكيين يحبون هكذا قصص. لذا، يسعى إلى استثمار ورقة النسويّة للحدود القصوى، في الغرب والإعلام الغربي، بهدف تحسين صورته، وشطب اسمه من لائحة المنظمات الإرهابيّة في أوروبا وأمريكا.
الدوائر الأمنيّة والاستخباراتيّة، تعرف كل شيء عن حزب العمال الكردستاني وتركيبته والصفحات السوداء في تاريخه، والتصفيات الداخليّة التي حصدت أرواح 15 ألف شخص، بحسب تصريح لزعيم الحزب عبدالله أوجلان، أدلى به في يوم 23/7/2008. والسؤال: ما حصيلة التصفيات الداخلية ضمن حزب العمال الكردستاني بعد ذلك التصريح وحتى الآن؟! 15 ألف ضحية من 1978 ولغاية 2008، ونحن الآن في 2021! ستكون النتيجة مرعبة. وما هي نسبة النساء من كل هذه التصفيات الداخليّة؟!
بالنتيجة، ما عدنا نرى في الإعلام الألماني مقالات كالتي كتبها يان كيتمان (Jan Keetman) في 0/6/08/2000. والانتقادات كالتي كانت يوجهها Günter Wallraff إلى أوجلان و حزب العمال الكردستاني، تكاد تكون شبه معدومة في الإعلام الألماني. أسهم العمال الكردستاني في بورصات الإعلام الغربي باتت مرتفعة جدّاً، بفضل النساء اللاتي يحملن بنادقه. ربّما إذا تحوّلت تركيا نهائيّاً إلى بلد معادي لأوروبا وأمريكا، وقتذاك، سيشطب الأوروبيون والأمريكيون العمال الكردستاني، وسينتقل المديح إلى المرأة الكردية المقاتلة في تركيا، التي يصفها الاتحاد الأوروبي الآن؛ بالإرهاب. ذلك أنه من غير المعقول أن تكون المرأة الكرديّة المقاتلة في تركيا "إرهابيّة"، والمرأة الكرديّة المقاتلة في سوريا، بطلة وشجاعة، وكلتاهما من نفس الحزب!
الآن، يتغاضى الأوروبيون والغرب عن الانتهاكات التي يرتكبها العمال الكردستاني بحق النساء، وتجنيد القاصرات والأطفال، واعتقال الصحافيين. الإعلام الغربي مشغول ومنبهر بالمقاتلات الكرديات اللاتي حملن السلاح وقاتلن ضد "داعش"، وهو يعلم أن تلك المقاتلات الكرديات، يأتمرن من وراء الستار، بأمر قيادة PKK، ويتدربن على أفكار أوجلان الذي قال عنه Günter Wallraff في يوم من الأيّام بأنه "هتلر صغير".
لا يوجد أي حديث عن العنف الداخلي ضمن الحزب، رغم أن ذلك من طبائع الأمور، باعتباره حزب عسكريّ مسلّح. اختفى من الإعلام الألماني الحديث عن الانتهاكات التي يمارسها الحزب بحق الجماعات الكرديّة الأخرى. على العكس من ذلك، هناك ما يشبه البروغاندا للحزب ولجناحه النسائي. كما في هذه المادة: الجيش النسائي لحزب العمال الكردستاني: بنات الجبال (Frauenarmee der PKK: Töchter der Berge). و"أخوات السلاح": بطلات كرديات في القتال ضد داعش ("Waffenschwestern": Kurdische Heldinnen im Kampf gegen den IS).
هناك قول منسوب إلى عبد أوجلان مفاده: "المرأة أكبر من أن تكون منحطّة، أو أن توضع بدلاً من نباتات الزينة" منتقداً النظام الرأسمالي. لكن حزبه، يتعامل مع نضال المرأة الكرديّة كنوع من الدعاية والترويج للحزب وزعيمه. الترويج للمقاتلات، وإبراز صور الفاتنات منهن، وإطلاق تسميات عليهن كـ"أنجيلينا جولي الكرديّة" بهدف الدعاية واستدرار التعاطف المحلي والدولي، وثم رفض هكذا مقارنات، بات الشغل الشاغل للحزب.
خلاصة القول: هم يحبوننا، طالما بقينا نقاتل بالنيابة عنهم. يحبوننا مقاتلين ومقاتلات أشدّاء. أي صحافي، أو كاتب أو باحث أو سياسي كي يعرف حقيقة حزب العمال الكردستاني ، بعيداً من كل هذا التسويق وأساليب النمذجة، عليه الانتساب إلى الحزب، والبقاء في صفوفه لمدى سنة أو ستة أشهر، ثم الانشقاق عنه، وانتقاده، حينها، سيسقط القناع ويزول الماكياج عن كل تلك الثرثرة حول العلمانيّة، الديمقراطيّة، الجندرة، الفامينيزم، الحريّة...، التي يتبجّح بها إعلام حزب العمال الكردستاني، وسيظهر الوجه الحقيقي العنفي والدموي للحزب، الذي قتل 15000 شخص لغاية يوليو 2008، رجالاً ونساءً، في كردستان، وعلى الأراضي الأوروبيّة.
الانتهازيّة الأوروبيّة التي دعمت التنظيمات الراديكاليّة الإسلاميّة في السبعينات والثمانينات، ضد الشيوعيّة، ها هي تستيقظ مجدداً، وتغطي على تنظيمات جديدة في مواجهة خطر التنظيمات الإسلاميّة.
يتحدّث الإعلام الأوروبي والأمريكي عن المقاتلات الكرديّات، ويتعامى عن عشرات الآلاف من النساء الكرديّات اللاتي تركن أو هربن من صفوف حزب العمال الكردستاني. لا أحد يستمع لمحنة تلك النسوة الكرديات وماذا فعل حزب العمال لكردستاني بهن، وكيف دمّر حياتهن. هنّ أيضاً في يوم من الأيّام، كنّ مقاتلات حملن السلاح. والآن يعانين الأمراض الجسديّة والنفسيّة جراء تلك الحرب التي خاضوها ضمن حزب العمال الكردستاني.
هؤلاء النسوة الكرديّات، المقاتلات السابقات، ألا يستحقن من الإعلام الألماني والأوروبي والأمريكي تسليط الضوء عليهن؟ الأوروبيون والأمريكيون لا يفكّرون في كيفيّة تحرير المرأة الكرديّة والمواطن الكردي من غضب وتخوين وعنف وتهديد بندقية حزب العمال الكردستاني، بل يفكرون في كيفيّة استثمار وتوجيه تلك البندقيّة، لحين نفاد صلاحيتها. مع ذلك، كل تلك المواد الإعلاميّة المدائحيّة التي ترونها اليوم، ستصبح نسيا منسيا، وستبقى تراجيديا الشعب الكردي والمرأة الكرديّة مستمرّة ومفتوحة على المزيد من الدم والعنف والموت. وسيبقى حزب العمال الكردستاني ومشتقاته، يخدعون الكرد بالشعارات، ويخدعون العالم بصور المقاتلات الجميلات.
حقوق النشر: قنطرة 2021
هوشنك أوسي، شاعر وكاتب وصحافي كردي سوري.
اقرأ/ي أيضًا | مقالات تحليلية من موقع قنطرة
نهاية مشروع الحكم الذاتي الكردي..."لا أصدقاء للأكراد إلا الجبال والريح"
تركيا في شرق الفرات: نبع للسلام أم بؤرة جديدة لصراعات مستقبلية؟
مشروع "الإدارة الذاتية" شرقي الفرات... تراجع أم بداية انهيار؟
استياء غالبية الأتراك من الانتقادات الغربية لعملية "نبع السلام" في شمال سوريا