"غير واضح من يحق له تشكيل مستقبل جماعة الإخوان"
سيد عياش: في كتابك حول الأزمة الوجودية لجماعة الإخوان المسلمين كتبت إنه 'لا يمكن لأي عضو وصف الجماعة بأنها مجرد حزب سياسي أو حركة اجتماعية أو طائفة دينية. إنها ليست شيئًا من هذا كله. إنها كل هذا معًا". هل يمكنك أن تشرح لنا بشكل أدق كيف تتلاقى هذه الجوانب المختلفة معًا؟
عبد الرحمن عياش: عندما ينضم شخص إلى جماعة الإخوان المسلمين يرى فيها أكثر من مجرد حزب سياسي. إنه يرى جمعية متكاملة ومجتمعاً وأشخاصاً يساعدونه في البحث عن وظيفة أو شريك حياة، ويأتون لدعمه في جنازته بعد وفاته. أنا نفسي نشأت في عائلة تنتمي إلى الإخوان المسلمين، وكان أعضاء الجماعة جزءاً من حياتي منذ الطفولة: في روضة الأطفال وفي المدرسة الابتدائية وفي الجامعة وحتى في ارتيادي لعيادات الأطباء. وبعد أن انسحبتُ من الإخوان المسلمين في بداية عام 2011 عانيت لعدة أشهر من آلام في الأسنان لأنني لم أكن أعرف أطباء أسنان غير أعضاء في الجماعة.
لكن كان هناك بالفعل جانب سياسي، أليس كذلك؟
عياش: بالنسبة لأغلب الأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ليست سياسية. حتى أن كثيرين منهم ينتقدون تحول الجماعة إلى السياسة أكثر مما كانت ترغب فيه. وفقا للطريقة التي تأسست بها الإخوان وكما يراها معظم الأفراد فهي حركة دينية وجماعة. والأكثر من ذلك هو أنهم يرون أنفسهم كشعب مستقل وحصري. أعتقد أن المكافئ المناسب لجماعة الإخوان المسلمين هو ربما مجتمع الكنيسة، التي تشمل الكثير من جوانب الحياة، وليس فقط الجانب السياسي.
مدرسة للنشاط السياسي
كتبتَ أنك حبن كنتَ شاباً أصغر عُمراً واجتهك عقبات في الانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين لأنه لم يكن هناك في مصر الكثير من البدائل للنشاط السياسي. وأشرتَ في كتابك أيضًا إلى أن محمد عادل، مؤسس حركة 6 أبريل، كان عضواً سابقاً في الجماعة التي ساهمت بشكل كبير في اندلاع الثورة في مصر. وعلاوة على ذلك، كان الرئيس السابق جمال عبد الناصر عضواً بها أيضاً. فهل تُعتَبر جماعة الإخوان المسلمين مدرسة للنشاط السياسي في مصر؟
عياش: إلى حد ما، نعم. في مصر، المجال العام مغلق أمام أي نشاط سياسي. في مثل هذا السياق توفر جماعة الإخوان المسلمين فرصة لتنظيم نفسها في الخفاء. إنها تسمح للشبان بخدمة مجتمعهم وذلك وفقًا للإسلام والطابع المحافظ لمجتمعهم. في سياق قضايا مثل نزاع الشرق الأوسط أو الغزو الأمريكي للعراق كانت جماعة الإخوان المسلمين دائمًا قادرة على جذب عدد كبير من الأعضاء. هذه القضايا تؤثر في كل شخص أو على الأقل تهمه، وجماعة الإخوان المسلمين تتشارك مع أغلبية الشعب المصري في تبني الموقف نفسه.
في كتابك ذكرت أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تتبنى في بعض الأحيان مواقف محافظة جدًا، لم تكن أنت حقًا مقتنعاً بها -مثل قضية ختان الإناث- بهدف إرضاء أنصارهم المحافظين. فهل هذا يعني أن جماعة الإخوان المسلمين في الواقع أقل تحفظًا مما تصور نفسها عليه؟
عياش: يهمني أن أشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست تنظيماً مترابطاً فيما يتعلق بمعاييرها الاجتماعية والسياسية. إنها مدرسة فكرية تجمع بين نطاق واسع من المعايير الاجتماعية المختلفة وفي بعض الحالات المعايير المتناقضة. ومن أجل جعل التنظيم أكثر شمولية قلل قادة ونظراء جماعة الإخوان المسلمين من تأثيرات الاختلافات الاجتماعية والدينية، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالمذاهب الفقهية الإسلامية. على مر السنين حدثت الكثير من التغييرات. وفي بدايتها كانت جماعة الإخوان ظاهرة حضرية متأثرة بمدن عالمية كوزموبوليتانية مثل الإسماعيلية والقاهرة.
في السنوات الـ20 وحتى الـ30 الماضية أصبحت جماعة الإخوان أكثر ريفية، مما أدى إلى اتخاذ مواقف أكثر محافظةً. فقد أصبح المجتمع المصري ككل أكثر تحفظاً، وذلك بسبب الهجرة العمالية إلى دول الخليج وتأثير السعودية خاصة على المجال الديني في مصر. كما لعب صعود السلفية دورًا هامًا في تشكيل الأجندة السياسية والدينية لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد ثورة عام 2011.
في حالة تنافس مع السلفية
هل قامت جماعة الإخوان المسلمين بتقريب مواقفها من مواقف سلفية للتنافس مع الحركة السلفية التي كانت شعبيتها تتزايد باستمرار؟
عياش: نعم، بالضبط. أرادوا جذب أنصار السلفيين لصالحهم، لذا أصبحوا أكثر محافظةً من الناحية الاجتماعية. نفس الأمر يحدث في ألمانيا: فعندما ظهر "حزب البديل من أجل ألمانيا" "آيه إف دي" الشعبوي حاولت الأحزاب الأخرى جذب أنصاره عن طريق تقريب مواقفها إلى مواقفه. وكذلك حدث تطور مشابه في تركيا فيما يتعلق بالعداء للأجانب. فبينما كان هذا العداء محصوراً في البداية في الأحزاب اليمينية المتطرفة انتقل جزئياً أو كلياً إلى أحزاب أخرى في الطيف السياسي خلال الانتخابات الأخيرة.
دعنا نتحدث عن دور جماعة الإخوان المسلمين في الثورة المصرية. كتبتَ أن "جماعة الإخوان المسلمين في جوهرها منظمة مضادة للثورة". ولكن الكثير من شباب الإخوان انضموا إلى التظاهرات في عام 2011 وبعده. فهل حدث انقسام داخل الجماعة بشأن إنْ كان يجب عليها أن تنضم إلى الثورة أم لا؟
عياش: لن أقول إنه كانت هناك انقسامات كبيرة. فعدد قليل فقط من النشطاء في التنظيم كانوا معارضين منذ البداية للمشاركة في الثورة دون موافقة القيادة. ومن الناحية العددية كان هناك عدد قليل نسبيًا من الشباب الذين كانوا معترضين على قيادات الجماعة. فمعظم الأعضاء ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وهم معارضون للثورة ولا يقبلون بتغيير جذري.
حتى في الاحتجاجات في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، لم تكن غالبية أعضاء الإخوان المسلمين حاضرة. وفي وقت المجزرة في 14 أغسطس / آب قُدِّر عدد المتظاهرين بالميدان بنحو 50 ألف متظاهر، وهو ما لا يعكس بأي شكل من الأشكال قوة الحشد والتعبئة لدى الإخوان المسلمين.
فقد صوت أكثر من خمسة ملايين شخص في عام 2012 في الدورة الأولى للانتخابات لصالح مرشح الإخوان محمد مرسي. بالطبع لم يكونوا جميعهم أعضاء في الجماعة، ولكن أعتقد أن هذا يظهر القدرة الفعلية على الحشد لدى جماعة الإخوان المسلمين.
في أزمة الهوية
في كتابك تصف كيف أن جماعة الإخوان المسلمين مرت منذ عام 2013 بثلاثة أزمات: أزمة هوية، وأزمة شرعية، وأزمة عضوية. فهل يمكنك تلخيص الثلاث أزمات بإيجاز، من فضلك؟
عياش: تتعلق أزمة الهوية بشكل عام بالموضوع الذي تم ذكره للتو حول السلفية والتوجه المحافظ، فجماعة الإخوان المسلمين غير واثقة من نوع التنظيم الذي ترغب في أن تكون عليه، ومن نوع الأنصار الذين ترغب في جذبهم. ففي المجموعة نجد أعضاء ذوي توجهات محافظة جداً ولكننا أيضاً نجد أعضاء ليبراليين ويساريين، سواء بالمفهوم الاقتصادي أو الاجتماعي.
التصورات المتعلقة بحقوق المرأة قد تكون مختلفة: فقد يسمح البعض لبناته بالسفر بمفردهن أو بالدراسة في الخارج، في حين أن آخرين قد لا يقبلون ذلك أبداً. هناك تعريفات متناقضة حول ماهية المسلم الصالح. وهناك تصورات مختلقة حول ما ينبغي أن تحققه جماعة الإخوان المسلمين وكيفية تحقيقه. القضايا الأساسية -مثل استخدام العنف- هي محل خلاف بين القادة. قد يتفقون على أن الهدف النهائي هو الديمقراطية وسيادة القانون، كما وضح مؤسس الجماعة حسن البنا (1906-1949)، ولكن القادة البارزين يفسرون كلماته بطرق مختلفة لدعم أو رفض الأعمال الثورية أو استخدام العنف ضد الحكومة وقوات الأمن.
ومن لديه الكلمة الأخيرة أو القول الفصل؟
عياش: هذا يقودنا إلى أزمة الشرعية. من لديه الحق في قيادة الحركة؟ ظهرت هذه الأزمة كثيراً في أوقات سابقة، ولكنها الآن أوضح من أي وقت مضى. في أوقات مختلفة استمدت شرعية القيادة من ثلاثة مصادر مختلفة: الأولى هي شرعية أعضاء التأسيس وأنصار حسن البنا -الذين شاركوا في تأسيس الحركة معه- وقادوا الحركة حتى الثمانينيات والتسعينيات، ثم فقدوا تدريجياً تأثيرهم على التنظيم. المصدر الثاني للشرعية يكمن في المعاناة التي عاشوها وهذا المصدر لا يزال مهمًا حتى اليوم.
كتاب ألماني عن حسن البنا والإخوان المسلمين
تحت العنوان الألماني "معماري الإسلاموية" كتبت غودرون كريمر (باحثة ألمانية بارزة في العلوم الإسلامية) سيرة معمقة عن حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. المؤرخ جوزيف كرواتورو قرأها لموقع قنطرة.
الشرعية عن طريق المعاناة
تشير في كتابك إلى الشرعية التي تنبع من المعاناة التي واجهها أعضاء الحركة في السجن.
عياش: تجربة السجن هي الوسيلة لكسب دعم الأعضاء. وحتى اليوم يتحدث كثير من القادة عن كم سنة قضوها في السجن، حتى أن بعض الناس يقولون إن النظام المصري يمكنه أن يجعل من شخص ما قائداً داخل الإخوان المسلمين إذا اعتقله لبضع سنوات فقط. المصدر الثالث للشرعية هو الانتخابات. جماعة الإخوان المسلمين ديمقراطية بقدر معين، نظرياً على الأقل. وبرغم من أنه يتم التلاعب بهذه الأدوات من قبل بعض القادة إلا أنها موجودة. ومنذ انقلاب عام 2013 ظهر مصدر جديد للشرعية: الشرعية من خلال العمل والأداء، وهي -أي الشرعية الجديدة- تُمنح لأولئك الأعضاء الذين قاوموا النظام بالعنف. ونظرًا لعدم وجود استراتيجية حالية للقادة فقد قدم هؤلاء الأشخاص لأعضاء الجماعة نوعًا من المواساة، فهم على الأقل واجهوا فظائع النظام.
هناك إذن صراع دائم بين القادة الذين لديهم شرعيات مختلفة؟
عياش: بالضبط. في السنوات الأولى، كان الصدام بين شرعية المعاناة وشرعية الأعضاء المؤسسين. ثم جاء الصراع بين المعاناة والانتخابات. والآن تلعب الشرعية من خلال العمل والأداء تدريجياً دورًا أكثر أهمية. وهذا يرتبط مرة أخرى بالأزمة الثالثة، أزمة العضوية: فعدد كبير من أعضاء الإخوان المسلمين حالياً متواجدون في السجون أو خارج مصر. ليسوا الأغلبية، ولكنهم جزء كبير.
وهناك مستويات مختلفة للعضوية في جماعة الإخوان المسلمين، ولم يصل بعض الأعضاء إلى مراتب عالية في الجماعة عندما غادروا مصر أو تم اعتقالهم. لذا الآن يُطرح السؤال: هل يحق لشخص ذي رتبة عضوية منخفضة -يعيش في تركيا في المنفى- أن يشارك في الاقتراع؟ فيما يتعلق بالمعاناة فإنه يستحق ذلك ولكن فيما يتعلق بمستويات العضوية فإنه ليس عضواً كامل الصلاحيات. من غير الواضح من يجب أن يكون لديه حق في المشاركة في تشكيل مستقبل الإخوان المسلمين.
في الستينيات تم سجن الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وخلال هذه الفترة أصبحت المنظمة متطرفة. هل ترى السنوات العشر الأخيرة مرحلة مشابهة لتلك الفترة؟ ذكرت في كتابك أنه بعد عام 2013 كان هناك تحول نحو العنف.
عياش: لا، هذه المرحلة مختلفة. في الستينيات، كان هناك سيد قطب (1906-1966) الذي طور كزعيم له كاريزما فلسفة جديدة تماماً. وعلى الرغم من أنها كانت تستند جزئياً إلى تجربة السجن والتعذيب، إلا أنها لم تكن رد فعل على ذلك فقط، ولكنها كانت نتيجة لعمليات فكرية. لا يوجد شيء من هذا القبيل في الوقت الراهن. ولا أحد يهتم فكريا بمسألة إنْ كان العنف هو الطريق الصحيح. الناس محبطون فقط، يريدون الانتقام ويحاولون إيجاد مبرر ديني لذلك. هناك عدد قليل من الأبحاث الأكاديمية والنظريات الفكرية، لكن ليس لها تأثير كبير.
كيف أثرت عقود من القمع في طبيعة جماعة الإخوان المسلمين؟
عياش: في عهد حسن البنا كانت جماعة الإخوان المسلمين شاملة نسبياً. كان بإمكان أي شخص الانضمام للجماعة، كما كانت هناك مناقشات عامة، وكان من بين الأعضاء رجال شرطة، وكان مسؤولون حكوميون يحضرون الاحتفالات. ومنذ السبعينيات -عندما خرج أعضاء الجماعة من السجن، وتحت تأثير سيد قطب- أصبحت الجماعة تنظيماً مغلقاً يرى المجتمع بأكمله تهديداً وينعزل للحفاظ على نقائه.
هل دفع القمع جماعة الإخوان المسلمين إلى العنف؟
عياش: الكثير من الباحثين الذين يدرسون جماعة الإخوان المسلمين يدافعون عنها بحجة أن: قمع الدولة هو المسؤول عن ظهور الاتجاهات العنيفة، ولكنني أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين نفسها مسؤولة أيضاً عن ذلك لأن أيديولوجيتها غامضة جدا.
الأشخاص، الذين أعرف أنهم انضموا إلى مجموعات عنيفة داخل جماعة الإخوان المسلمين، جاءوا من أوساط اجتماعية حيث العنف والانتقام شائعان جداً. ولم تكن أيديولوجية الإخوان المسلمين قوية بما يكفي لاحتواء هذه العوامل الاجتماعية.
لقد كنتَ عضواً في جماعة الإخوان المسلمين وتنتقد ضعف تأثير النساء والشباب في الجماعة. هل تعتقد أن هذا قد تغير منذ ذلك الحين؟ هل هناك فرصة لشباب الإخوان المسلمين التقدميين؟
عياش: عندما كتبتُ الكتاب (كتاب: الأواصر الممزقة) كان لدي هذا الأمل بالفعل. كان معظم من أجريت معهم المقابلات من الشباب الذين بدأوا في الوصول إلى مناصب قيادية أو اكتسبوا بعض التأثير داخل جماعة الإخوان المسلمين. ولكن في الأشهر الأخيرة تبدلت الأحوال. وأصبحت المخاطر كثيرة: فالكثير من الأعضاء داخل السجون وتعتمد أسرهم على الدعم المالي من جماعة الإخوان المسلمين.
من دون قادة ذوي خبرة سيكون -بالنسبة للحركة- من الصعب جدًا المناورة وإبقاء أتباعها في الصف. وعندما يتعلق الأمر بدور الأعضاء الشباب فأنا حاليا لست متفائلا كما كنت في السابق. لكن شرعية العمل والأداء أصبحت عاملا مهما. وغالبية أعضاء الإخوان المسلمين -خاصة الموجودين خارج مصر- لا يريدون اتباع نفس القادة، الذين وضعوهم في موقف الضعف والاغتراب، الذي يجدون أنفسهم فيه اليوم.
أجرت الحوار: حَنة الهيتامي
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2023
عبد الرحمن عياش، عمرو العفيفي، نهى عزت - " الأواصر الممزقة.. الأزمة الوجودية للإخوان المسلمين في مصر (2013/ 2022)"، مؤسسة القرن 2023.
عبد الرحمن عياش صحفي وباحث سياسة مهتم بالحركات الإسلامية منذ سنوات. وقد كتب الكثير من المقالات حول جماعة الإخوان المسلمين لصالح مؤسسة كارنيغي ومبادرة الإصلاح العربي وغيرهما.