إسرائيل على صفيح ساخن
تقول صحف إسرائيلية إن قيادات في الجيش الإسرائيلي تعرضت مؤخراً لإهانات غير مسبوقة وهو أمر يتصادم مع موروث قديم في إسرائيل ووضع خاص للغاية للجيش في الداخل.
وصلت الخلافات السياسية بين رئيس الوزراء وبعض الوزراء من جانب وقيادات بالجيش من جانب آخر لمستوى أقرب للانفجار بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
إذ قالت القناة 12 الإسرائيلية إن التصريحات النارية التي أطلقها وزراء في وجه رئيس الأركان هيرتسي هاليفي في خضم المعارك العسكرية وصراخ بعضهم عليه أمر بالغ الخطورة، وذلك بعد أن طالب هاليفي بتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023، لتتحول جلسة الكابينيت إلى حلبة للصراخ وتبادل الاتهامات.
الجدير بالذكر أن تشكيل هذه اللجنة تم دون معرفة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وأيضاً دون معرفة السياسيين الإسرائيليين وهو ما شكل مفاجأة للجميع، الأمر الذي فسره محللون بأنه خطوة استباقية قبل أن تقوم الحكومة بتحميل الجيش المسؤولية الكاملة للفشل في توقع أو التصدي لعملية السابع من أكتوبر.
أيضاً يرى محللون أَنَّ الجيش وإنْ اعترف بعض قادته بتحمل جانب من المسؤولية في الفشل بتوقع أو التصدي لعملية حماس -وهو ما نتج عن فشل معلوماتي واستخباراتي عسكري- لكن الجيش في المقابل يُحمِّل القيادة السياسية مسؤولية الإخفاق الاستراتيجي بالرهان على سكوت وصمت حماس وخداعها للجميع حتى تمكنت من المباغتة وتوجيه ضربتها.
تحت وطأة الانتقادات
يذكر أنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2023، حمّل نتنياهو -في تغريدة على تويتر- الجيش وأجهزة المخابرات مسؤولية الفشل في توقع هجوم حماس، لكنه حذف التغريدة لاحقا واعتذر عن الأمر، تحت وطأة الانتقادات من داخل الحكومة وخارجها.
وقال غالانت خلال جلسة الكابينيت العاصفة: "لم أكن أعلم بأمر التحقيق، لكنني أعطي الدعم الكامل لرئيس الأركان"، فيما أشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أنه وبخ الوزراء الذين صاحوا في وجه هاليفي وقال: "إن كان رئيس الأركان قرر تشكيل فريق تحقيق فأنا أؤيده.. ما دخلكم أنتم؟".
وبحسب صحف إسرائيلية، تحدث في الجلسة وزراء -مثل ميري ريغيف وزيرة النقل والبنية التحتية الوطنية وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية- تحدثوا بشكل غير لائق تماماً مع هاليفي ورفعوا أصواتهم عليه وهاجموا بشدة دعوته للتحقيق في الفشل الاستخباراتي بتوقع عملية السابع من أكتوبر، وتساءلوا عن الدافع وراء تشكيل هذه اللجنة الآن، الأمر الذي دفع 169 قائداً عسكرياً سابقا لكتابة رسالة دعم لرئيس الأركان نشرتها القناة الثالثة عشر الإسرائيلية.
ووصف القادة العسكريون انتقادات الوزراء الإسرائيليين بأنها "جبهة ثامنة" فُتحت ضد الجيش هدفها إلحاق الهزيمة به وبرئيس الأركان.
وبحسب موقع القناة 12 الإسرائيلية قالت ريغيف لهاليفي: "أنت لا تجيبني في حين أن لدينا الكثير من الأسئلة حول سلوك الجيش لماذا تريد الخوض في الأمر الآن؟ تريد البدء في التحقيقات الآن!"، فيما نقل موقع تايمز أوف إسرائيل قول ريغيف لهاليفي: "عينت موفاز؟ هل جُننت؟".
ويضم فريق التحقيق بشكل أولي عدداً من المسؤولين الأمنيين السابقين، من بينهم شاؤول موفاز وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان الأسبق، بالإضافة إلى الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية زئيڤي فركش، والقائد السابق لقيادة الجيش الجنوبية سامي ترجمان.
بدوره قال ديفيد أمسالم عضو الكنيست عن حزب الليكود: " يجب ألا يكون الجنود الآن في موقف دفاعي.. يجب أن يتفرغوا فقط للحرب .. لماذا تفعل ذلك؟" أما إيتمار بن غفير فكان الأكثر توتراً لأن لجنة التحقيق تضم القيادات العسكرية التي كانت مسؤولة عن إخلاء المستوطنات في غزة في 2005 وقال: "لقد أحضرتم الاشخاص المسؤولين عن فك الارتباط مع غزة، فكيف يمكن لمن كان "أبو الانفصال والفشل" أن يقوم بالتحقيق".
يذكر أن بن غفير وعدد آخر من التيار اليميني الإسرائيلي عارض بشدة وقتها الخروج من غزة وتفكيك المستوطنات وكان شاؤول موفاز -رئيس لجنة التحقيق الحالية- رئيساً للأركان في حكومة أرييل شارون، وهو من نفذ خطة فك الارتباط مع غزة.
هجوم كاسح
ويشير خبراء ومحللون إلى أن الهجوم الكاسح للوزراء ونواب الكنيسيت الموالين لنتنياهو يعود إلى خشيتهم من نتيجة التحقيقات التي ستُلقِي باللوم في النهاية على الحكومة ورئيسها، فبخلاف العقاب المتوقع فإن أول ما سينتج عن التحقيقات إقالة الحكومة ورئيسها من منصبه، وهو ما قالت صحف أمريكية وإسرائيلية إن نتنياهو لن يسمح به خاصة في ظل اقتراب محاسبته في قضايا الفساد التي تنتظر خروجه من الحكومة، وبالتالي فإن كل يوم يمضيه في الوزارة يبعده يوماً عن المحاسبة.
وفي مقال بعنوان مع "توقف الانقلاب ضد الديمقراطية في إسرائيل، تقترب معركة الإطاحة بنتنياهو"، وصف يوسى فيرتر الكاتب في صحيفة هاآرتس بن غفير وسموتريتش ورفاقهما "بالمجانين الموجودين على الهامش ومختلف عوامل الفوضى، الذين يحلمون بصوت عالٍ بإعادة بناء المستوطنات في شمال غزة".
وتقول قيادات في الجيش حالية وسابقة إن ما حدث من إهانة لرئيس الأركان أمر غير مسبوق خاصة في ظل الحرب التي يخوضها الجيش ضد حماس وأن هذا الهجوم يحدث بدوافع سياسية، وقالوا إن هذه التصرفات ممنوع أن تحدث في خضم الحرب بحسب تصريحات متلفزة لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والذي حمل نتنياهو مسؤولية ما يحدث من خلافات في زمن الحرب، وقال إن على رئيس الوزراء الاختيار بين الوحدة والأمن وبين السياسة.
وبحسب القناة 12 الإسرائيلية فإن غالانت طالب من أسماهم "بالجميع بالكف عن الاستغلال غير المسؤول للجيش وقادته من أجل مكاسب سياسية"، فيما حمل الوزير بيني غانتس نتانياهو المسؤولية عن عرقلة مناقشة قضايا جوهرية تخص الحرب في المجلس المصغر.
غانتس أحد أهم المرشحين لخلافة نتنياهو
وبحسب صحيفة معاريف فإن الخلافات بين الرجلين تتصاعد منذ فترة، وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء منع غير ذات مرة كلاً من غالانت والوزير بيني غانتس من المشاركة في جلسات مجلس الحرب، فيما يدور حديث عن قرب خروج غانتس من الحكومة خاصة مع خسارته للمزيد من أصوات مؤيديه مع استمرار بقائه في حكومة نتنياهو.
تصريحات غانتس فسرها البعض على أنها اتهامات مبطنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه غير مهتم بأي شيء يحدث سوى البقاء في كرسي رئاسة الوزراء، في الوقت الذي يرى فيه خبراء إسرائيليون أن غانتس أحد أهم المرشحين لخلافة نتنياهو.
على جانب آخر لم يتحدث نتنياهو خلال الجلسة وسط غضب عارم من مسؤولين في حزب الليكود، حيث رأى هؤلاء أن رئيس الوزراء قدم السياسة على الأمن بحسب ما قال يوآف كاكوفسكي المحلل في قناة كان الإسرائيلية الذي أضاف أنه بدلاً من أن يدعم نتنياهو رئيس الأركان أمام هذا الهجوم الحاد غير المسبوق كان هو من دفع الوزراء اليمينيين لهذا الهجوم على هاليفي. دفع ذلك يائير لابيد زعيم المعارضة لأن ينتقد بشدة صمت نتنياهو أمام إهانة وزراء بحكومته لرئيس الأركان.
هجوم غانتس العنيف على نيتنياهو
واستمر الخلاف بعد جلسة الكابينيت خصوصاً مع هجوم غانتس العنيف على نيتنياهو، وانضم للهجوم أفيغدور ليبرمان ويائير لابيد واللذان عارضا بشدة ما حدث لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي. وقال بيني غانتس -عضو مجلس الحرب الإسرائيلي- إن الهجوم على رئيس الأركان في مجلس الوزراء دوافعه سياسية، وأن على رئيس الوزراء اختيار الوحدة والأمن أو السياسة.
وأشار موقع تايمز أوف إسرائيل إلى أن نتنياهو أنهى الاجتماع العاصف بعد ثلاث ساعات عقب اندلاع المشادة الكلامية، خاصة عندما سارع بعض الوزراء للدفاع عن هاليفي. وقال أحد الوزراء لإذاعة "كان" إن صوت الصراخ "وصل خارج الغرفة"، وقال آخر إن بعض مسؤولي الدفاع غادروا مبكراً، احتجاجاً على المعاملة التي تلقوها على ما يبدو.
وعبر وزراء تحدثوا إلى هيئة البث الإسرائيلية عن غضبهم من الطريقة التي عومل بها هاليفي، وقال أحدهم إن الحكومة بحاجة إلى إعادة التفكير فيما إذا كان المجلس الوزاري الأمني المصغر بتشكيله الحالي "صالحاً لاتخاذ قرارات بشأن سياساتنا الدفاعية". وقال وزير آخر للإذاعة: "ما حدث هناك كان مخزياً. يمكن انتقاد الجيش الإسرائيلي، لكنهم لاحقوا رئيس الأركان بلا هوادة".
"جيش متمكن وحكومة ضعيفة بائسة"
وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، ووصفها بأنها انحدار جديد غير مسبوق، قائلاً إن وزراء حاولوا إهانة رئيس الأركان هرتسي هاليفي فيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يفعل شيئا، مضيفاً أن هذه ليست حكومة بل "كارثة وطنية". وقال لبيد إن لدى إسرائيل جيشاً متمكناً وحكومة ضعيفة بائسة.
ويرى خبراء أن نتنياهو هو المستفيد الأكبر من هذا الخلاف العنيف بين السياسيين والجيش لأنه إذا كانت الحكومة والشعب الإسرائيلي لم ينشغلوا بهذا الخلاف الحاد فإن نقاش اليوم التالي للحرب وتشكيل لجنة التحقيق سيبرز على السطح ويكون هو الشغل الشاغل للجميع إضافة إلى عدم وضوح خطط إعادة المحتجزين الإسرائيليين وهي كلها أمور لا تصب أبداً في صالح بقاء نتنياهو في منصبه.
ونقل روعي شارون مراسل الشؤون العسكرية في قناة كان الإسرائيلية عن قائد لواء الجنوب قوله إنه بعد مرور 90 يوماً على الحرب لا يوجد نقاش واحد جدي عن "اليوم التالي" وهو ما يراه أمراً مريحاً لرئيس الحكومة الإسرائيلية
وفي حوار متلفز له قال شاؤول موفاز الرئيس المرتقب للجنة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر إن "خروج المواطنين ضد الانقلاب الدستوري على المحكمة العليا سيكون صفراً في مقابل ما سيفعلونه ضد هذه الحكومة وإخفاقاتها"، وقال إن هذه الحكومة "ستذكر تاريخيا بالعار إلى الأبد".
عماد حسن
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024