مواجهة حتمية ضد روسيا لا مفر منها في سوريا؟
في الحقيقة لم تأت ومع الأسف مشاركة ألمانيا في العمليات العسكرية في سوريا من أجل سوريا بالذات، بل هي مجرَّد لفتة سياسية. فبعد هجمات باريس الإرهابية طلبت الحليفة فرنسا المساعدة من ألمانيا، وبهدف إنقاذ أوروبا الآيلة للانهيار، سارعنا نحن الألمان من أجل تقديم المساعدة. ومن دون أن نتساءل عما يمكن أن يساعد أهالي سوريا في الحقيقة، قرَّرنا المشاركة في العمليات العسكرية، التي نعلم تمامًا أنَّها لن تحقٍّق أية إنجازات. وذلك لأنَّ طائرات التورنادو القديمة والتي تعود إلى حقبة الحرب الباردة تكاد لا تنفع في المعركة غير المتكافئة ضدَّ جماعات إرهابية غير حكومية.
وهذه العملية العسكرية المنتظرة ليست عبثية وحسب، بل هي أيضًا عملية هدَّامة ذات نتائج عكسية. ونظرًا إلى خطابنا الحربي فإنَّ "الدولة الإسلامية"، التي نصَّبت نفسها بنفسها، تشعر بأنَّها تؤخذ على محمل الجدّ في معركتها ضدَّ بقية العالم الكافرة. كما أنَّ دخول كلِّ قوة عظمى جديدة في هذه المعركة يجعل هذا التنظيم يبدو أكثر خطورة وأكثر جاذبية.
أمَّا أنَّ ألمانيا، التي تتزعَّمها أقوى امرأة في العالم - تلك المستشارة أنجيلا ميركل، التي تجتذب السوريين بعيدًا عن "الدولة الإسلامية" من خلال صورها السيلفي مع اللاجئين السوريين، قد دخلت الحرب، فهذا الأمر يأتي في صالح تنظيم "الدولة الإسلامية". ففي آخر المطاف يريد هذا التنظيم أن يُقنع الناس بأنَّ "أنجي" ليست هي مَنْ يحمي السوريين، بل إنَّ مَنْ يحميهم هو "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
انتظار الغزاة القادمين من الغرب
ينتظر تنظيم "الدولة الإسلامية" ببهجة وسرور وصول الغزاة القادمين من الغرب. وهو على علم بأنَّ كلَّ قنبلة إضافية تمنحه المزيد من الأتباع في سوريا. فمنذ أعوام يعمل الرئيس بشار الأسد على تجنيد مقاتلين مخلصين لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك من خلال قصفه من الجو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
في الحقيقة لم تأت ومع الأسف مشاركة ألمانيا في العمليات العسكرية في سوريا من أجل سوريا بالذات، بل هي مجرَّد لفتة سياسية. فبعد هجمات باريس الإرهابية طلبت الحليفة فرنسا المساعدة من ألمانيا، وبهدف إنقاذ أوروبا الآيلة للانهيار، سارعنا نحن الألمان من أجل تقديم المساعدة. ومن دون أن نتساءل عما يمكن أن يساعد أهالي سوريا في الحقيقة، قرَّرنا المشاركة في العمليات العسكرية، التي نعلم تمامًا أنَّها لن تحقٍّق أية إنجازات. وذلك لأنَّ طائرات التورنادو القديمة والتي تعود إلى حقبة الحرب الباردة تكاد لا تنفع في المعركة غير المتكافئة ضدَّ جماعات إرهابية غير حكومية.
وهذه العملية العسكرية المنتظرة ليست عبثية وحسب، بل هي أيضًا عملية هدَّامة ذات نتائج عكسية. ونظرًا إلى خطابنا الحربي فإنَّ "الدولة الإسلامية"، التي نصَّبت نفسها بنفسها، تشعر بأنَّها تؤخذ على محمل الجدّ في معركتها ضدَّ بقية العالم الكافرة. كما أنَّ دخول كلِّ قوة عظمى جديدة في هذه المعركة يجعل هذا التنظيم يبدو أكثر خطورة وأكثر جاذبية.
أمَّا أنَّ ألمانيا، التي تتزعَّمها أقوى امرأة في العالم - تلك المستشارة أنجيلا ميركل، التي تجتذب السوريين بعيدًا عن "الدولة الإسلامية" من خلال صورها السيلفي مع اللاجئين السوريين، قد دخلت الحرب، فهذا الأمر يأتي في صالح تنظيم "الدولة الإسلامية". ففي آخر المطاف يريد هذا التنظيم أن يُقنع الناس بأنَّ "أنجي" ليست هي مَنْ يحمي السوريين، بل إنَّ مَنْ يحميهم هو "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
انتظار الغزاة القادمين من الغرب
ينتظر تنظيم "الدولة الإسلامية" ببهجة وسرور وصول الغزاة القادمين من الغرب. وهو على علم بأنَّ كلَّ قنبلة إضافية تمنحه المزيد من الأتباع في سوريا. فمنذ أعوام يعمل الرئيس بشار الأسد على تجنيد مقاتلين مخلصين لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك من خلال قصفه من الجو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
وبحسب معلومات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" (SNHR) فقد استهدفت صواريخ الأسد في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 أربعة عشر مرفقًا طبيًا وست أسواق وكذلك عشر مدارس، وقد سقط في الفترة نفسها وبشكل عشوائي 1438 برميلاً متفجِّرًا على مناطق سكنية. ومن دون أن تتم معاقبته يقوم بشار الأسد بتغطية جميع أنحاء البلاد بإرهاب، يدفع الناس إمَّا إلى الهروب أو إلى أحضان تنظيم "الدولة الإسلامية". وهذا مرهون بما يبدو أنَّه الأرجح - إمَّا حالة اليأس أو الغضب من تجاهل العالم، الذي يجعل الله بالنسبة لهم مصدر العون الوحيد ويُظهر تنظيم "الدولة الإسلامية" على أنَّه الملاذ الأخير.
والآن سوف يزيد إذًا عدد القنابل التي تسقط في سوريا. وصحيح أنَّ صواريخ الأمريكيين والفرنسيين تُعدُّ أكثر دقة في إصابتها الأهداف، كما أنَّها تستهدف أهدافًا عسكرية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكن في الواقع لا يتم استخدام الكثير من هذه الصواريخ في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يعودوا منذ فترة طويلة يسافرون ضمن قوافل سيَّارات عبر الصحراء وقد أخفوا ترسانتهم ومخازن أسلحتهم في المناطق السكنية.
وبالتالي لا يمكن تجنُّب سقوط قتلى من المدنيين - وخاصة إذا لم يتم تنسيق الضربات الجوية ميدانيًا مع المقاتلين المتحالفين مع الغرب. وحتى عند تدمير شاحنات الصهاريج ومصافي أو حقول النفط، فكثيرًا ما تصيب الضربات الجوية الأشخاص الخطأ. وذلك لأنَّ مَنْ يعملون هناك هم سوريون مضطرون إلى العمل مع تنظيم "الدولة الإسلامية" من أجل بقائهم على قيد الحياة، وليسوا من الجهاديين المقتنعين بعقيدة هذا التنظيم.
غارات الأسد وقنابله...إرهاب ممنهج
بالمقارنة مع عمليات القتل الجماعي التي يرتكبها الأسد وعدد ضحايا القصف الروسي، يبدو عدد قتلى التحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية" بطبيعة الحال قليلاً. وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فقد قتل النظام السوري في هذا العام 2015 وحتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر 11371 شخصًا مدنيًا، وقتل تنظيم "الدولة الإسلامية" 1382 مدنيًا، بينما قتل التحالف الذي تقوده الولايات المتَّحدة الأمريكية 160 مدنيًا. ومن خلال الغارات الجوية الروسية سقط في شهري تشرين الأوَّل/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 522 مدنيًا سوريًا، في حين أنَّ كلّ من الولايات المتَّحدة الأمريكية وفرنسا مسؤولتان خلال الفترة نفسها عن قتل 14 شخصًا.
ولكي لا تتم إساءة فهمي، أريد التأكيد على أنَّ: كلَّ فرد بريء يتم قتله يعتبر أكثر من كثير، وهذا لا ينطبق على ضحايا باريس وحدهم، بل ينطبق أيضًا على الضحايا السوريين. ولهذا السبب فإنَّ العمل العسكري الوحيد، الذي يعتبر منطقيًا في سوريا، هو لحماية المدنيين. فمنذ عدة أعوام تطالب منظمات المجتمع المدني على وجه التحديد بإقامة مناطق حظر جوي أو مناطق حماية، يكون فيها الناس في مأمن من التعرُّض للغارات الجوية وتستطيع فيها المعارضة بناء نظام بديل.
لقد أفشل التدخُّل الروسي هذه الأفكار والخطط. وضَمن بوتين بقاء الأسد، من خلال إرساله طائرات مقاتلة ضدَّ المعارضة المسلَّحة في شمال غرب سوريا وفي وسطها، وعمل على حماية طائراته بنظام دفاع جوي روسي متطوِّر للغاية. وهناك بالتحديد يجب أن يتم فرض منطقة حظر جوي، تبدأ بطبيعة الحال مع القضاء على دفاعات العدو الجوية - ولذلك فإنَّ المواجهة المفتوحة مع روسيا ستكون أمرًا حتميًا لا مفر منه.
ومن أجل إقامة مناطق حماية لا يوجد أيضًا أي استعداد دولي، وذلك لأنَّ هذه المناطق يتم فرضها في العادة من قبل قوَّات برية تعمل ميدانيًا. وعلى الرغم من أنَّ خارطة الطريق، التي تم إقرارها في مفاوضات فيينا، تنص على وضع قوة تابعة للأمم المتَّحدة، من المفترض أن تتولى مهمة مراقبة وقف إطلاق النار في سوريا، ولكن مع ذلك لا يوجد حتى الآن أي شيء يشير إلى نشر قوَّات لحفظ السلام في سوريا.
استراتيجية "الوَخْز بالإبَر" العسكرية
تبقى ثمة إمكانية ثالثة وبسيطة جدًا من أجل حماية المدنيين: وهي إقامة "منطقة لحظر القصف" أو منطقة لحظر الغارات. وفي هذه الحالة يتَّفق الغرب مع روسيا على تحديد الأهداف الإرهابة لتنظيم "الدولة الإسلامية" التي يجب عليهما التعاون في القضاء عليها، ويتم في بقية أنحاء البلاد فرض منطقة حظر للغارات الجوية. وهذا يعني السماح بتحليق الطائرات فوق المناطق التي لا وجود فيها لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكن عدم تعرُّض هذه المناطق للقصف.
ومَنْ لم يلتزم بذلك، تتم معاقبته عسكريًا، وتحديدًا ليس من خلال الطائرات المقاتلة (التي من الممكن أن يتم استهدافها بالدفاعات الجوية)، بل انطلاقًا من السفن الحربية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي في حال استمرار الأسد بإرسال طائرات الهليكوبتر المُحمَّلة بالبراميل المتفجِّرة إلى حلب سيتم إسقاط هذه الطائرات، وكذلك يمكن أن يتم اختياريًا استهداف المطار العسكري، الذي تنطلق منه هذه الطائرات. والهدف من ذلك هو أن تتم وبشكل ملحوظ معاقبة كلِّ غارة جوية تستهدف المدنيين، بغية إيقاف هذه الغارات - لا أكثر ولا أقل.
إنَّ مثل هذه الاستراتيجية القائمة على "الوَخْز بالإبَر" العسكرية ستؤدِّي إلى تحقيق أربعة أغراض. أولاً: سيكون الأهالي في المحافظات المنكوبة إدلب واللاذقية وحلب وحماة وحمص وكذلك في ريف دمشق ومحافظة درعا محميين حماية أفضل، ولن يضطروا بعد ذلك إلى الفرار. وثانيًا: لن تحدث أية مواجهة عسكرية مع روسيا، وذلك لأنَّها ستركِّز عملها وبالاتِّفاق مع الفرنسيين والأمريكيين على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولن يعد بإمكانها أن تبرِّر هجماتها على الأسواق والمستشفيات والمخابز.
وثالثًا: سوف يكون الأسد تحت ضغط متزايد وسيجد نفسه مضطرًا إلى التفاوض سياسيًا والموافقة على انتقال تدريجي للسلطة. ورابعًا: من الممكن هكذا لجماعات المعارضة السورية المسلحة أن تركِّز عملها أكثر وأكثر على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" وأن تتعاون إلى جانب الأكراد كقوَّات برية ضرورية مع التحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية".
وفقط عندما نكون قد أنهينا الحرب في سوريا، أو على الأقل قد أنهينا ضربات الأسد الجوية، يمكننا عندئذ أن نُعوِّل على السوريين كشريك لنا في المعركة ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية". وعندئذ فقط ستكون الضربات الجوية الغربية منطقية. ونظرًا إلى أعداد اللاجئين القادمين إلى بلادنا فإنَّ ألمانيا تعتبر من بين الجميع صاحبة المصلحة الكبرى في حماية السوريين داخل وطنهم. ولكن في الواقع بدلاً من إقامة مناطق لحظر القصف بغية القضاء على أسباب اللجوء، سوف يرسل الألمان 1200 جندي ألماني - من دون هدف واضح، ومن دون استراتيجية، ومن دون خطة.
ولكن كيف يجد السوريون ذلك؟ إنهم يجدونه سخيفًا. فمن أجل حماية المدنيين السوريين كان العمل العسكري الألماني في سوريا طيلة أعوام عديدة "أمرًا لا يمكن تصوُّره"، ولكن الآن بسبب التضامن مع فرنسا سيقدِّم الألمان خلال ثلاثة أسابيع ست طائرات تورنادو وسفينة حربية. وتبلغ تكلفة ذلك 134 مليون يورو - ولكن في حال استخدام هذه الأموال بشكل آخر، فسيكون بإمكاننا عندئذ أن نوفِّر بهذه الأموال على مئات الآلاف من السوريين الفرار واللجوء إلى ألمانيا.
كريستين هيلبيرغ
ترجمة: رائد الباش