"تعثُّر دعاية حسن نصر الله السياسية"

خطاب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. ‏Foto: Mohamed Azakir/REUTERS ‏Hisbollah-Chef Hassan Nasrallah während einer Video-Ansprache  am 3.11.2023
وجَّه الأمين العام لحزب الله السيِّد حسن نصر الله خطابًا مصوَّرًا لأنصاره، ووصف فيه هجوم حماس الكبير على إسرائيل في السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 بأنَّه كان "بقرار وتنفيذ فلسطيني مائة بالمائة". (Foto: Mohamed Azakir/REUTERS)

أمين عام حزب الله حسن نصر الله معروف بحبه لإلقاء الخطابات الرنانة، ورغم ذلك ليس لتنظيمه -المصنَّف ألمانياً وأمريكياً بأنه إرهابي- أية مصلحة في تصعيد غير منضبِط مع إسرائيل قد يسفر عن اندلاع حرب. استشعار المحللة السياسية الألمانية بينتِه شيلَر لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Bente Scheller

بعد أقل من خمسة أسابيع على هجمات حماس القاسية على إسرائيل، أدلى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بأوَّل تصريح له في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2023. ولم يبخل في خطابه -الذي طال انتظاره وألقاه في يوم جمعة- في استخدامه العِبارات الدعائية المتوقَّعة والتشويهات الساخرة، وأثنى على حزبه لأنَّه يُقيِّد القوَّات الإسرائيلية على الحدود الشمالية، ووصف أعمال حماس الرهيبة بأنَّها "أعمال بطولية". ولكنه أضاف أنَّ هجمات حماس كانت "بقرار وتنفيذ فلسطيني مائة بالمائة".

وما لم يقله أنَّ: "محور المقاومة" أو "محور الممانعة" يتحرَّك الآن ويهاجم، واسم هذا المِحوَر هو وصف يطلقه حسن نصر الله على حلفائه أعداء إسرائيل المعلَنين الذين يحب أن يرى نفسه على رأسهم. لقد كرَّر ولكن بكلمات مختلفة ما قالته القيادة الإيرانية من قبل: على الرغم من أنَّها تدعم حماس ماليًا وسياسيًا إلَّا أنَّها لا علاقة لها بهجوم السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023. وأضاف حسن نصر الله أنَّ هذه الهجمات "تم التخطيط لها وإخفاؤها بسرِّية كاملة".

وقد يعود نفي حزب الله مسؤوليته عما حدث لحسابات سياسية. فنظرًا لهجوم إسرائيل المضاد العنيف والمدعوم دعمًا غير مشروط من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأوروبية، من الممكن أنَّ تكون إيران وحزب الله غير معنيين في أن يتم استهدافهما بشكل أقوى.

لبنان - في الضاحية الجنوبية في بيروت آلافٌ من أنصار حزب الله يتابعون خطاب حسن نصر الله. Foto: Mohamed Azakir/REUTERS Libanon – Beirut: Rede des Hisbollah-Chef Hassan Nasrallah am 3.11.2023
اجتمع في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت آلافٌ من أنصار حزب الله في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 لمتابعة رسالة الأمين العام لحزب الله عبر خطاب مصوَّر. (Foto: Mohamed Azakir/REUTERS)

الانتقام الإسرائيلي العنيف لم يكن محسوباً له

ولكن الكثير يشير في الواقع إلى أنَّ حماس قد عملت بمحض إرادتها، وأنَّ المجازر المروِّعة ومباغتة قوَّات الأمن الإسرائيلية كانت مفاجأة أيضًا لحماس نفسها، ومن شأن هذا أن يفسِّر بدوره لماذا لم يكن انتقام إسرائيل العنيف [على الجبهة الفلسطينية] مخطَّطًا لمواجهته في حسابات حزب الله: فلو كان هجوم حماس منسَّقًا من قِبَل إيران بهدف مواجهة إسرائيل بالقوة العسكرية الكاملة لكان من المتوقَّع أن يفتح حزب الله جبهة ثانية في اللحظة نفسها.

وفي الوقت نفسه فإنَّ الضغط الذي يتعرَّض له حزب الله هائل: فهو يستمد من حربه ضدَّ إسرائيل جزءًا مهمًا من تبرير وجوده السياسي داخل لبنان. ويصف حربه هذه بأنَّها "مقاومة" ويدَّعي أنَّه يتولى بذلك دورًا مهمًا يتجاوز حدود لبنان.

ونظرًا إلى أنَّ حماس قد تحدَّثت بالتزامن مع خطاب حسن نصر الله عن سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل في قطاع غزة فقد كانت المخاوف كبيرة من أن يُعلن حسن نصر الله الآن عن "الحريق الشامل" المخيف في الشرق الأوسط. وبما أنَّه لم يفعل ذلك فهذا يُبيِّن أنَّ مجرى الصراع له ظلال أكثر بكثير مما توحي به التصريحات المتفاخرة في أغلب الأحيان.

من المعروف أنَّ العلاقة بين حركة حماس وحزب الله قد اتسمت بالخلافات وانعدام الثقة منذ وقوف حماس ضدَّ النظام السوري في عام 2012 - وبالتالي أيضًا ضدَّ حزب الله وإيران اللذين يريدان على أية حال إبقاء حليفهما بشار الأسد في السلطة. وفي حين دافع حزب الله عن الدكتاتور بشار الأسد ضدَّ أبناء شعبة الثائرين، قام بشار الأسد  أيضًا بقصف مخيَّم اليرموك الذي يعتبر أكبر مخيَّم للاجئين الفلسطينيين في سوريا وحوَّله إلى أنقاض.

حزب الله مهم جدًا بالنسبة لطهران

وفي عام 2017 غيَّرت حماس موقفها تحت قيادة جديدة وحاجتها إلى المال وعادت للتقارب من حزب الله وإيران. وكلا التنظيمين (حركة حماس وحزب الله) لهما أهمية مختلفة تمامًا بالنسبة للنظام في طهران: فحماس تخدم الدعاية الإيرانية ولذلك يتم دعمها ماليًا من قِبَل إيران باعتبارها تنظيمًا فلسطينيًا مسلحًا يعمل مباشرة على الحدود الجنوبية لإسرائيل.

ولكن حزب الله كان بالنسبة للحروب الكبرى في العراق وسوريا واليمن بمثابة صانع الألعاب العسكري الذي بنى شبكته العملاقة من الميليشيات ووضع مدنًا كبرى سُنِّية مثل حلب في سوريا والموصل في العراق تحت سيطرة الحكَّام الشيعة في طهران. كما أنَّ قربه الجغرافي المباشر من إسرائيل وكذلك ترسانة أسلحته الواسعة والمتطوِّرة تقنيًا تجعلان منه خصمًا خطيرًا حتى بالنسبة للجيش الإسرائيلي. ومنذ مشاركته في سوريا صار حزب الله يتمتَّع بخبرات في المعارك البرِّية أكثر من أية جماعة مسلحة أخرى في المنطقة.

وحزب الله يلعب بالنسبة للنظام الإيراني دورًا مركزيًا فيما يتعلق بإسرائيل: فهو يُمثِّل رادعًا كافيًا لمنع إسرائيل من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. ويبدو أنَّ هذا يجعله مهمًا جدًا بالنسبة لطهران التي لا يمكنها المخاطرة به الآن بسبب عواقب هجوم غير منسَّق معها قامت به حماس.

ولكن يجب الآن قياس حزب الله من خلال خطابه المتفاخر. التقى حسن نصر الله بممثِّلي حماس في الثالث والعشرين من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 - وهو تاريخ له دلالة رمزية صادفته الذكرى السنوية الأربعين لهجوم حزب الله على قاعدة أمريكية في بيروت الذي أسفر عن مقتل مئتين وواحد وأربعين أمريكيًا.

ولكن هذا اللقاء لم يكن من أجل تلبية دعوات حماس المتزايدة إلى "توحيد ساحات القتال" بل من أجل مناقشة "الخطوات التالية" والتأكيد على خطورة الوضع بشكل عام. فعلى الرغم من أنَّ القصف المتبادل غالبًا بقذائف الهاون بين القوَّات الإسرائيلية وحزب الله يبدو مثل الحرب -وهو يشبه الحرب أيضًا- ولكنه مع ذلك يسير ضمن إطار الانتقام الخاضع للسيطرة والذي يتكرَّر حدوثه منذ سنين.

بقاء الأسد عسكريًا معتمد على إيران وحزب الله

وبينما يعرب الطرفان -حزبُ الله وإسرائيل- عن رغبة كلّ منهما في إبادة الآخر فإنَّهما يدركان وبكلِّ وضوح ماذا سيكون ثمن أي هجوم يتجاوز الخطوط الحمراء غير المكتوبة.

إذ يجب على إسرائيل أن تضع في حسابها وابلات من الرشقات الصاروخية التي تُرهق دفاعاتها الجوية وبإمكانها إصابة أهداف إصابات مدمِّرة في جميع أنحاء إسرائيل. وضمن هذا السياق يدَّعي حزب الله أنَّ هجماته على أهداف إسرائيلية قد أجبرت إسرائيل في عام 2000 على الانسحاب من جنوب لبنان وذلك بعد ثمانية وعشرين عامًا. وفي المقابل قُتل في الغارات الجوية الإسرائيلية نتيجة اختطاف حزب الله لجنديين إسرائيليين في عام 2006 نحو ألف ومئتي شخص في لبنان. كما أصاب دمارُ البنية التحتية الواسع النطاق اقتصادَ لبنان بضربة قاسية.

ومنذ ذلك الحين يحرص الطرفان على تجنُّب أي تصعيد غير منضبط لا يمكن السيطرة عليه. ومن بين قواعدهما غير الرسمية تعريض أقل عدد ممكن من حياة الناس للخطر، حيث يُفضِّل حزب الله مهاجمة المناطق ذات الكثافة السكَّانية المنخفضة. وبعد الهجمات الأخيرة على مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل، والتي أصيب فيها شخصان، أمرت إسرائيل بإخلاء المنطقة. ومن المعتاد أيضًا أن يقوم الجيش الإسرائيلي "جيش الدفاع الإسرائيلي" بتحذير مراكز قيادة حزب الله مباشرةً قبل قصفه لها حتى يتمكَّنوا من إخلائها.

وكلُّ هذا لا يضمن عدم حدوث تصعيد إقليمي. وذلك خاصةً إذا تفاقم الوضع في تل أبيب أو الضفة الغربية، فمن الممكن أن يرُدّ الجانبان بقوة أكبر. وعندئذٍ يمكن أن يحدث تصعيد شديد في غضون دقائق، وذلك: عندما يتوقَّع الطرفان هجومًا مباشرًا وعندما تضرب إسرائيل قواعد حزب الله الصاروخية وحين يريد الحزب إطلاق صواريخه.

ولكن من الممكن قبل أن تشتبك القوتان العسكريتان الثقيلتان -إسرائيل وحزب الله- مع بعضهما بشكل مباشر أن يتم استخدام دولة أخرى كساحة للمواجهة المتصاعدة، وهذه الدولة هي: سوريا. وفي حين أنَّ دكتاتور سوريا كان في السابق يستخدم لبنان لإطلاق النار على إسرائيل ويقاتل قوَّاتها هناك، انقلبت موازين القوى اليوم. وبات بقاء الأسد عسكريًا يعتمد على إيران وحزب الله. وفي بيروت صار يدور الحديث اليوم بشكل شبه علني عن شنّ هجمات من سوريا على إسرائيل. وفي المقابل تهاجم إسرائيل منذ سنين الميليشيات الخاضعة لإيران وطرق إمدادات حزب الله في سوريا. ومنذ عام 2011  قصفت إسرائيل أهدافًا في سوريا مئات المرات - ومن دون أية عواقب.


بينتِه شيلَر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
Qantara.de/ar

بينته شيلَر تعمل منذ عام 2019 رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسَّسة هاينريش بول المقرَّبة من حزب الخضر في برلين. وعملت منذ عام 2012 وحتى عام 2019 رئيسة مكتب مؤسَّسة هاينريش بول الإقليمي في الشرق الأوسط في بيروت بلبنان. وتولت قبل ذلك رئاسة مكتب المؤسَّسة في أفغانستان وعملت منذ عام 2002 وحتى عام 2004 مستشارة لمكافحة الإرهاب في السفارة الألمانية بدمشق. ونالت الدكتوراه من جامعة برلين الحرة عن أطروحتها حول السياسة الخارجية السورية.

 

 

المزيد من مقالات قنطرة التحليلية: 

قطيعة بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب حرب غزة؟

اختلال توازن الخطاب الألماني حول حرب غزة

ما بعد الجحيم - خمسة سيناريوهات لمستقبل غزة 

موقف ألمانيا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي