''مصر لم تتحرَّر بعد من قبضة العسكر''
السيد ياكوبس، أصبح الآن الدكتور محمد مرسي رئيس مصر الجديد. هل فاجأتكم هذه النتيجة؟
أندرياس ياكوبس: جميع الأشخاص الذين تحدَّثت معهم في الأيَّام الأخيرة كانوا يفترضون أنَّ الدكتور محمد مرسي قد فاز في الانتخابات. وربَّما كان ينطبق ذلك أيضًا على المجلس العسكري الحاكم الذي كان شغله الشاغل في الأيَّام والأسابيع الأخيرة جعل مثل هذا الفوز في الانتخابات أمرًا مقبولًا. حيث تم فرض قيود شديدة للغاية على صلاحيات الرئيس ومن خلال ذلك صار من الممكن لعضو في جماعة الإخوان المسلمين أن يتولى منصب الرئاسة، ولكن في الوقت نفسه سيحتفظ النظام العسكري الحاكم حاليًا بسلطته من خلف الكواليس. وضمن هذا السياق صحيح أنَّ النتيجة الحالية جاءت مدهشة، ولكنها كانت واضحة في الأيَّام الأخيرة.
فاز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات بنسبة 51.7 في المائة وبفارق قليل نسبيًا عن عدد الأصوات التي حصل عليها الفريق أحمد شفيق، لذلك كيف يمكن تفسير هذا الأداء الجيِّد الذي حقَّقه شفيق رغم أنَّه يعمل بكلِّ وضوح لصالح النظام القديم؟
ياكوبس: يفضِّل الكثيرون من المصريين ومن بينهم أيضًا أشخاص من منتقدي النظام القديم الاستقرار الذي عاشوه في عهد النظام القديم على حكم الإسلامويين غير المعروف. كما أنَّ القلق من الإخوان المسلمين منتشر بشكل خاص بين المسيحيين والنخب القديمة بالإضافة إلى انتشاره بين أبناء الطبقة الوسطى في المدن وكذلك بين المثقَّفين.
ويضاف إلى ذلك أيضًا أنَّ الإخوان المسلمين خسروا من خلال تكتيكاتهم السياسية في الأشهر الأخيرة الكثير من الدعم. وربَّما هذا ما يفسِّر منح الكثيرين من المصريين أصواتهم في آخر المطاف للفريق أحمد شفيق.
هل ستتحوَّل مصر الآن في عهد الدكتور محمد مرسي إلى جمهورية شبه إسلامية؟
ياكوبس: مصر من الناحية القانونية دولة إسلامية منذ فترة طويلة، للإسلام فيها مكانة دستورية وعلى الأرجح أنَّ ذلك لن يتغيَّر. أمَّا إن كان النظام السياسي سوف يخضع لعملية أسلمة واسعة النطاق، فهذا ما سيظهر من خلال الجدال الذي بدأ الآن بين قوى النظام القديم والإخوان المسلمين.
وأنا أعتقد أنَّ هذه العملية ستواجه مقاومة شديدة. ولكن ربَّما سيتم اتِّخاذ بعض إجراءات الأسلمة السطحية على سبيل المثال فيما يتعلَّق بوسائل الإعلام أو ببيع الكحول. ومن الممكن أن يترك ذلك آثارًا سلبية خاصة على المشهد الثقافي والسياحة.
كانت نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مفاجئة بالنسبة للكثيرين. كيف تقيِّمون نتيجة تلك الجولة؟
ياكوبس: كانت مفاجئة قبل كلِّ شيء لأنَّ معظم المراقبين والمعلِّقين نطروا إلى الصحافة الموجَّهة من قبل الدولة والنخب الموجودة في المدن. وهنا في الواقع كان في المقدِّمة المرشَّحون الأكثر اعتدالاً والمرشَّح المفاجأة اليساري حمدين صباحي. ولكن لو ذهب المرء إلى الصعيد ومنطقة دلتا النيل فسيكون لديه على الأرجح انطباع مختلف. حيث ما يزال الكثيرون هنا يدعمون الإخوان المسلمين أو حتى النظام القديم.
تم في الآونة الأخيرة توجيه انتقادات شديدة إلى التوقعات التي كثيرًا ما كانت غير دقيقة. ما هو دور استطلاعات الرأي ضمن هذا السياق؟
ياكوبس: استطلاعات الرأي هذه لا تمثِّل الجميع. وكذلك لا توجد في مصر استطلاعات للرأي جدِّية من الممكن الاعتماد عليها أو تقليد إجراء أبحاث اجتماعية تجريبية. وبناءً على ذلك فأنا أعتقد أنَّ هذه الاستطلاعات تم إجراؤها إمَّا بطريقة سيئة أو أنَّها كانت ببساطة موجَّهة سياسيًا.
أصدرت المحكمة الدستورية في الرابع عشر من حزيران/يونيو حكمًا يقضي ببطلان قانون الانتخابات النيابية وبذلك تم حلّ مجلس الشعب أيضًا...
ياكوبس: لم يكن هذا مفاجئًا، فقد كانت تنتشر شائعات منذ عدة أشهر حول إمكانية حلّ مجلس الشعب؛ وكان الكثيرون من ممثِّلي النظام القديم ينظرون بريبة كبيرة إلى تشكيلة هذا البرلمان الجديد. وكثيرون من المواطنين المصريين أيضًا يعتبرون مجلس الشعب هذا المؤلف من نوَّاب سلفيين وإخوان مسلمين يفتقدون الخبرة السياسية غير مؤهَّل. ولذلك لم يتم أيضًا انتقاد قرار حلّ مجلس الشعب مثلما كان متوقعًا. يجب أن ننظر إلى هذه الخطوة على أنَّها جزء من استراتيجية العسكر الرامية إلى ضمان محافظتهم على سلطتهم حتى مع حدوث تغيير في الرئاسة. إذ إنَّ وجود مجلس نيابي يسيطر عليه الإسلاميون إلى جانب وجود رئيس من جماعة الإخوان المسلمين سيشكِّل خطرًا كبيرًا على سلطة العسكر.
لنقل باختصار، هل توجد في مصر ديمقراطية أم يجب علينا الحديث حول وجود دكتاتورية عسكرية؟
ياكوبس: نحن ما نزال نتحدَّث مثل ذي قبل عن الديكتاتورية العسكرية.
ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل مصر؟ وهل ما يزال لديك أمل في التغيير الديمقراطي؟
ياكوبس: المشكلة أنَّنا نعقد آمالاً كبيرة جدًا على حدوث تحوّل ضمن هذه الفترة الزمنة في مثل هذا النظام. وفي الواقع من الممكن أن تستمر الثورة الحالية، وهذا سيؤدِّي على المدى الطويل إلى الحصول على المزيد من سيادة القانون والديمقراطية. لقد أسقط المصريون طاغيتهم وحصلوا من خلال ذلك على وعي سياسي جديد - لن يدعوا أحدًا يجرِّدهم منه مرَّة أخرى. ولكننا نرى في الوقت الراهن ثورة مضادة قوية جدًا. وحتى مع وجود رئيس من جماعة الإخوان المسلمين يظلّ تأثير النظام القديم قويًا جدًا في مصر وعلى الأرجح أنَّ هذا النظام سيفرض سيطرته على البلاد في المستقبل. ولهذا السبب من الممكن أيضًا أن يستغرق الأمر عقودًا من الزمن قبل أن يتم في الواقع ترسيخ العملية الديمقراطية المستدامة. وهذا لا يتعلَّق بكوننا نتعامل هنا مع دولة شرقية، إذ إنَّ مثل هذه العمليَّات تحتاج فترة من الزمن في أي مكان آخر.
تبدو التطوَّرات الآن حسب تعبيرك طبيعية للغاية ويمكن التنبؤ بها. ولكن مع ذلك أليس صحيحًا أنَّ القوى الليبرالية، أي "شباب التحرير" الذين كثيرًا ما يتم ذكرهم، قد ارتكبوا أخطاءً استراتيجية وتنظيمية؟
ياكوبس: أجل وبكلِّ تأكيد، ولكنهم أيضًا ليسوا الوحيدين. وقد حدث هذا أيضًا في أماكن أخرى. لم يكن لدى المصريين مخطط لادراة الفترة الانتقالية بعد تنحي مبارك. وكان الطلب الوحيد دائمًا وأوَّلاً إسقاط حسني مبارك! ولكن عندما رحل بالفعل وجد الثوَّار أنفسهم من دون أية رابطة توحِّدهم.
وفي المقابل أمضوا وقتًا طويلاً في الاحتفال بانتصارهم وأهملوا المشاركة في العمل السياسي وتكوين الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى إهمالهم العمل على وضع برامج عمل سياسي. ولهذا السبب يعدّ المعسكر الليبرالي والعلماني ضعيفًا ومشتتًا.
لقد عملت حتى نهاية شهر أيَّار/مايو رئيسًا لمكتب مؤسَّسة كونراد أديناور في مصر. ومؤسَّستكم هذه لها مكتب عامل هناك منذ عدة عقود. ما مدى الدعم الذي قدَّمته مؤسَّسة كونراد أديناور قبل الثورة وبعدها؟
ياكوبس: نحن موجودون منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا في مصر ولدينا بالتالي الكثير من العلاقات والشركاء الذين ساعدونا قبل الثورة وبعدها مباشرة في التمكّن من تقديم مجموعة كاملة من برامج التثقيف السياسي. وأنا شخصيًا وجدت هذه الفترة فترة مثيرة للغاية وكان من المثير جدًا بالنسبة لي سرعة استمرارنا في العمل بعد تنحي حسني مبارك. وثم أصبح - على الأقل حتى شهري أيَّار/مايو وحزيران/يونيو 2011 - من الممكن القيام بأشياء كثيرة لم تكن ممكنة من قبل. وأعتقد أنَّنا أحسنَّا استغلال هذه الفترة.
ثم توقَّف عملكم في مصر فجأة في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2011، وذلك عندما أمرت النيابة العامة بإغلاق مكتب مؤسَّسة كونراد أديناور ورفعت دعوى ضدَّكم وضدّ موظَّفي المؤسَّسة. هل كنتم تتوقَّعون حدوث هذه التطوّرات وكيف تقيِّمونها؟
ياكوبس: لم تكن هناك أية تحذيرات؛ كما أنَّ هذه الخطوة جأت مفاجئة للغاية بالنسبة لنا. ولكن في الواقع لقد تم في النصف الثاني من عام 2011 اتِّخاذ مجموعة من الإجراءات ضدَّ الجهات الفاعلة من الأفراد أو المجموعات التي كان ينظر إليها بطريقة ما على أنَّها تقدِّم الدعم للثورة وأنَّها مزعجة من الناحية السياسية. وبدأ ذلك مع المدوِّنين والناشطين الشباب، ثم انتقل بعد ذلك إلى أندية كرة القدم والأقباط. ومن ثم طال في آخر المطاف المنظمات غير الحكومية الأجنبية.
لماذا تم إغلاق مؤسَّسة كونراد أديناور بالذات؟
ياكوبس: نحن لا نعرف سبب ذلك حتى يومنا هذا. ولكننا نعتقد أنَّه كان يجب التنكيل بأحد ما ليكون عبرة للآخرين وأنَّه تم اختيارنا كورقة توت لكي لا تبدو هذه الحملة نشاطًا معاديًا للولايات المتَّحدة الأمريكية. إذ إنَّ هذه الحملة لم تؤثِّر على أحد غيرنا سوى بعض المنظَّمات الأمريكية.
ماذا تتوقَّعون حاليًا لعمل مؤسَّسة كونراد أديناور في مصر؟ وهل كنتم قادرين على إعادة فتح مكتب المؤسَّسة واستئناف العمل من جديد مع شركائكم هناك؟
ياكوبس: نحن لا نقوم حاليًا بأية نشاطات في مصر وبالإضافة إلى ذلك لم تُعد السلطات لنا حتى الآن وثائقنا المكتبية وأجهزة الكمبيوتر. ولكننا نأمل من الجانب المصري أن يعلمنا في أقرب وقت إن كان من الممكن مواصلة عملنا في مصر وكيف يمكننا ذلك.
أجرى الحوار: بيورن تسيمبريش
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012