معتقل لأنه كتب تقارير إعلامية عن عنف الشرطة
يكتب عبد الرحمن غوك، محرّر في وكالة أنباء ميزوبوتاميا: "أسعدنا للغاية خبر اعتقال نديم". لم يكن الوحيد. فقد عبّرت شقيقة نديم تورفنت، شهرستان تورفنت، عن المشاعر ذاتها، بينما كتب آخرون له الكلمات ذاتها حين كان في السجن الانفرادي في سجن مدينة فان التركية المشدد الحراسة. كانت "فرحة" مريرة ومسمومة، والسبب، كما يتابع غوك: "أننا كنا نخشى اغتياله. كنا ممتنين لأنه اعتُقِل بدلاً من أن يُقتل".
وُلِد نديم تورفنت في مدينة يُوكْسِكُوفا -التركية ذات الأغلبية الكردية قرب إيران- في عام 1990. درس ليصبح مدرس لغة إنكليزية، ودائماً ما كان قارئاً نهماً، وحتى حين كان مراهقاً، كان ثائراً ضد جميع أنواع الظلم. في عام 2012، بدأ مهنته في الصحافة كمحرر إخباري باللغة الإنكليزية في وكالة أنباء دجلة (ديها). وكان هدف تورفنت تقديم تقارير حول الوضع الكردي لبقية العالم.
ولذلك، حين تخلّى رجب طيب إردوغان عن عملية السلام التركية-الكردية -التي كان كرئيس قد ساهم في الشروع فيها بعد الهزيمة الانتخابية في عام 2015- واجتاح المدن ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد بقوة عسكرية ذهب تورفنت إلى هناك. فقد كان مصمّماً على رؤية الوضع بنفسه والكتابة عما شاهده. بعبارة أخرى، كان مصمّماً على القيام بعمله، كصحفي.
"قوة الأتراك"
كان هناك حظر تجول في يُوكْسِكُوفا في ذلك الوقت. نشر نديم تورفنت مقطع فيديو يُظهِرُ وحدة شرطة خاصة تسيء معاملة مجموعة من عمّال البناء. كان الرجال مكبّلي الأيدي، راقدين على الأرض، والشرطة تقف فوقهم تستهزأ بهم: "الآن ستشعرون بقوة الأتراك!".
وستصبح هذه العبارة عنواناً لمقال تورفنت. وفي الأشهر التي أعقبت نشره، تعرّض تورفنت للتهديد مراراً وتكراراً. يقول تورفنت أنه تلقّى تهديدات بالقتل من حسابات تويتر تتبع استخبارات الدرك المختصة بمكافحة الإرهاب المعروف باسم (JITEM).
وليست حالته الوحيدة من نوعها. فأي شخص في تركيا، أو حتى خارجها، يعبّر عن انتقاده لنظام حزب العدالة والتنمية، أو بشكل أدق، يتناول موضوع قمع الأكراد، فسيكون على معرفة بهذا النوع من التهديدات.
وسواء أكانت هذه التهديدات من حسابات الدولة أَمْ من متصيدين عبر الإنترنت، فليس هناك فرق يُذكر. إذ يتعلّق الأمر كله بخلق جو من الترهيب. اعتُقِل نديم تورفنت في أيار/مايو من عام 2016. وكالعديد من وسائل الإعلام الناقدة الأخرى، حُظِرت وكالة أنباء دجلة بعد بضعة أشهر.
ولم تكن مخاوف أصدقاء وزملاء تورفنت بلا أساس.
إذ يروي زميله في وكالة أنباء دجلة، ضياء أتامان، الذي سُجِن أيضاً في عام 2016، كيف رُكِل وضُرِب تورفنت بأعقاب البنادق حين اعتُقِل، وكيف وُضِع كيس أسود على رأسه وأُطلِقت أعيرة نارية في الهواء، ويقتبس ما قاله لاحقاً تورفنت: "لقد ناقشوا ما إن كانوا سيقتلونني أم لا. كنت على علم بذلك. تمكنت من الرؤية قليلاً من خلال الكيس، على الرغم من أنّ كل شيء كان ضبابياً للغاية. ومن ثم جاءت مكالمة هاتفية أخيرة وتغيّرت الأمور".
مضطهد من قبل الدولة
يقول أتامان أنّ حقيقة نجاة نديم تورفنت بحياته هي أيضاً بسبب الضغط العام الدولي الهائل، والشعور بالتضامن مع الذين يصطدمون بالنظام.
ومن المؤشرات الأخرى على هذا التضامن، أنّ مجموعة من مقالاته التي صاغها تورفنت منذ سجنه نُشِرت الآن باللغة الألمانية، بعنوان: "فوق الجدران، قصائد ونصوص صحفي في السجن". وهي تتضمن قصائد، إضافة إلى مقالات كتبها لصحيفة تاز المتوقّفة الآن للأسف.
وقد نشر الكتاب نشطاء منظمة العفو الدولية كورنيليا رور وبرناديت رونيس، وذهبت جميع عائدات المبيعات إلى تورفنت. وترجمت سابين آداتيبي وتشيلار فيرتينا النصوص إلى اللغة الألمانية.
وترافق مساهمات تورفنت مساهمات زملائه: باريش ألتين تاش، وحسين أكيول، وملتم أكتاي، وعبد الرحمن غوك، وغيرهم. وهم رفقاء وصحفيون، كان ومازال العديد منهم يخضع لضغوطات واضطهاد من قبل الدولة التركية. وأبيات تورفنت المقتضبة مناسبة للغاية: "بلا شك/جدران الخوف تُقام/على الظهر المحترق/ لأفقي المجرّد".
لا نشعر فقط بيأس تورفنت وهو يواجه التعسّف الذي يتعرض له، بل أيضاً نشعر بأمله الذين لا يمكن كبحه، ورفضه السماح بأن تكسره حقيقة أنه سيقضي أفضل سنوات عمره في زنزانة منفردة: "في زنزانتي المكونة من ثلاث خطوات/ وخمسة أنفاس/ستائر النافذة مصنوعة من الحديد/ سرير مثبت في/صمت شديد السواد/بارد كالجليد في كل مكان".
محاكمة صورية هزلية
بقي تورفنت في الحبس الاحتياطي لما يزيد عن عام قبل بدء المحاكمة الصورية ضده، التي تشبه للغاية محاكمات العديد من الصحفيين الآخرين الذين واجهوا المصير ذاته منذ عام 2016، وهم بالمئات. وتتكوّن "الأدلة" ضده، من جهة من المقالات التي كتبها، ومن جهة أخرى، من إفادات الشهود التي ظهرت خلال المحاكمة، وانتُزِعت إما بالتعذيب أو بالتهديد بالتعذيب. وقد قال بعض الشهود المزعومين لاحقاً، أنهم لم يقابلوا تورفنت بتاتاً.
وقد اتُّهِم بـ "الانتماء إلى منظمة إرهابية"، وهي تهمة قياسية تواجه الصحفيين في تركيا. لم يكن الادعاء قادراً على إثبات قيامه بأي عمل غير قانوني؛ وفكّك دفاع تورفنت حجتهم الضعيفة. وعلى الرغم من كل هذا، وجده القاضي مذنباً وحكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات وتسعة أشهر. مهزلة.
يرسم الكتاب الرفيع صورة دقيقة عن تورفنت وعمله ورد فعل الدولة التي تسعى لإسكات الانتقادات جميعها، بغض النظر عن مدى سخافة الأكاذيب التي ينبغي عليها استخدامها للقيام بذلك. قصائده ومقالاته ونصوص زملائه، مصحوبة بصور لنديم تورفنت وصور تبيّن الدمار في يوكسكوفا وأماكن أخرى، الصور ذاتها التي سعى المدعي العام التركي إلى منعها.
لا يزال نديم تورفنت صحفياً، حتى من وراء القضبان. وهو لم يفرض رقابة على نفسه. ولأجل ذلك، هذا الكتاب هو بيان مهم.
غيريت فوستمان
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2022