هل كان مبارك أقل فرعنة ممن ورثوا عنه السلطة العسكرية؟
جاء إعلان وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك صباح يوم الثلاثاء 25 / 02 / 2020 عن عمر ناهز واحدًا وتسعين عامًا وكأنه نبأ عابر من الماضي. لم يُثِر خبر وفاة حسني مبارك سوى ردود أفعال قليلة في هِبة النيل، بحكم أن مبارك لم يعد يلعب أي دور في الحياة السياسية المصرية منذ تنحيه عن السلطة قبل تسعة أعوام، مثله في ذلك كمثل جميع الحكام السلطويين الآخرين الذين أُسقِطوا خلال الربيع العربي في عام 2011، سواء الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أو الليبي معمر القذافي.
نعى التلفزيون المصري الرسمي مبارك ورثاه، لكنه تعمَّد إهمال نهاية مبارك وثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 في ميدان التحرير، وكأنَّ سلطة مبارك قد انتهت نهاية سحرية بلا سبب ولا طلب أو احتجاج. وهذا خير دليل على مدى سعي حكَّام مصر الجدد، أي الرئيس عبد الفتاح السيسي والجيش، إلى جعل الربيع العربي يُطوى طيّ النسيان.
صعود مبارك وسقوطه غير المتوقَّع
وصل مبارك إلى السلطة في عام 1981 بعد اغتيال سلفه أنور السادات من قِبَل مسلحين إسلامويين في عرض عسكري يوم السادس من تشرين الأوَّل/أكتوبر 1981. اعتقد الكثيرون أنَّ رئيس أركان القوَّات الجوية -حسني مبارك غير المعروف في ذلك الوقت وغير الجذَّاب كثيرًا- لا يمكنه البقاء في السلطة لفترة طويلة، غير أنَّهم كانوا مخطئين.
عندما تولى مبارك الرئاسة في مصر، كان برونو كريسكي لا يزال يشغل منصب المستشار الاتِّحادي في النمسا وكان هيلموت شميت مستشار ألمانيا. وفي حين تقاعد هذا الأخير الألماني وبات يظهر وهو يدخِّن السجائر كرجل دولة متقاعد في البرامج الحوارية الألمانية، كان مبارك يحكم بلاده بقبضة من حديد بعد تعرُّضه لست هجمات فاشلة، وقبل أن يتنحى أخيرًا في الحادي عشر من شباط/فبراير 2011 بعد ثورة شعبية استمرت ثمانية عشر يومًا.
تلت ذلك سلسلة من القضايا والدعاوى المرفوعة ضدَّه والمحاكمات، وانتشرت عبر العالم صوره الأولى وهو على نقالة طبية داخل قفص الاتِّهام، متخفيًا خلف نظارته الشمسية. في البدء كان قد حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في قضية قتل ثمانمائة متظاهر خلال ثورة يناير.
أمَّا بقية قصة تلك المحاكمات فهي دليلٌ مثالي على عدم محاسبة الطاغية المدعوم من الحكَّام الجدد. فبعد ستة أشهر فقط، أمرت محكمة الجنايات المصرية بإعادة فتح القضية. وخرج مبارك من السجن، ليتم وضعه في مستشفى عسكري - بعيدًا عن الرأي العام، حيث كان في الواقع تحت الإقامة الجبرية.
وبعد أقل من عامين، تمت تبرئته ليس فقط من مسؤوليته عن قتل المتظاهرين، بل وحتى من قضية اختلاسه الأموال العامة. وفي شهر آذار/مارس 2017، كسب قضيته أيضًا في محكمة الاستئناف وتم أخيرًا إخلاء سبيله. وبهذا اختفى نهائيًا عن الأنظار.
حليف مخلص للغرب
من المعروف أنَّ نتيجة تقييم إرث أي حاكم سلطوي تم إسقاطه لا تكون جيدة في العادة. ولكن مبارك كان يحصل خلال فترة رئاسته على درجات مختلفة. فقد كان يُنظر إليه على الصعيد الدولي باعتباره ضامنًا للاستقرار، قبل أن تبدأ الثورة الشعبية ضدَّه. كما أنَّه حافظ على معاهدة السلام مع إسرائيل التي أبرمها سلفه أنور السادات.
وفي حرب الخليج 1991، وقف إلى جانب جورج بوش الأب ضدَّ نظيره المستبد صدام حسين. فقد كان على الدوام حليفًا مخلصًا للغرب والولايات المتَّحدة الأمريكية. لهذا السبب لم يكن يتم طرح تساؤلات كثيرة في مصر حول أسلوب قيادته. فقد كان يتصرَّف على صعيد السياسة الداخلية كحاكم سلطوي عربي نموذجي مألوف.
لقد وضع بلده في معزل من الناحية السياسية والاقتصادية طيلة ثلاثة عقود من الزمن. لم يجرؤ قَطّ على الاقتراب من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الضرورية ضرورة مُلحة باستثناء بعض التغييرات التجميلية القليلة - ربما أيضًا بسب خوفه من أنَّ الإصلاحات يمكن أن تؤدِّي إلى عزله. وهذا كلفه في النهاية سلطته وكلَّف البلاد خسارة ثلاثة عقود من التنمية.
عندما كان الناس في ذلك الوقت يحتفلون بسقوطه في ميدان التحرير، كانوا يأملون في أن يتم التفاوض على مستقبلهم ومستقبل العالم العربي كله بطريقة ديمقراطية وسلمية.
خبير بارع في موازنة سياسة القوة
قد ينظر البعض اليوم إلى عهد مبارك بعين الحنين إلى الماضي. تمكَّن مبارك من البقاء في السلطة لكلّ هذه الفترة الطويلة لأنَّه كان سياسيًا ذكيًا، يعرف متى يشدِّد الخناق ليفسح بعد ذلك مجالًا كافيًا من الحرِّية السياسية، بحيث أنَّه لا يدع المرجل ينفجر من شدة ضغط البخار.
كانت المعارضة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، تصل إلى البرلمان على شكل جرعات صغيرة غير خطيرة. وكان بوسع وسائل الإعلام أن تكون ناقدة من دون شكّ، طالما أنَّها لا تنتقد الرئيس وأسرته بصورة مباشرة.
ولكن حكَّام اليوم تعلموا من نهايته بسبب الربيع العربي درسًا يفيد بأنَّهم لن يسمحوا مطلقًا بأية حرِّيات سياسية، مع مخاطرتهم بعدم التنفيس عن الضغط وعدم السماح بخروج البخار من أي مكان. لقد وصل جهاز القمع اليوم إلى مستويات جديدة، تجعل عهد مبارك يبدو لبعض المصريين غير مضر.
في الوقت نفسه يجب علينا ألَّا ننسى أنَّ حكَّام اليوم في مصر ما زالوا يديرون قبل كلِّ شيء إرث مبارك: نظامًا تعليميًا متهالكًا تمامًا ونظامًا صحيًا لا يستطيع المرء إلَّا أن يأمل بسببه في ألاّ يصيب فيروس كورونا مصر، ومؤسَّسات لا يمكن في الواقع أن تُصنَع بها دولة. زد على ذلك أنَّ ثلث المصريين يعيشون اليوم بحسب البيانات الرسمية تحت خط الفقر.
على موقع تويتر كتبت غادة شهبندر (بالإنكليزية):
"حسني مبارك #حسني_مبارك #hosnimubarak رئيس مصر #Egypt المخلوع، توفي قبل وقت قصير. لقد قاد دولةً عظيمةً إلى الفقر، ودمَّر فيها التعليم والرعاية الصحية، وجعل أهميَّتها ثانوية في منطقة كانت تقودها في السابق، وانتهك حقوق مواطنيها. له الله يتولاه برحمته ويحاسبه بعدلِه".
#hosnimubarak the deposed president of #Egypt died a short while ago. He impoverished a great country, ruined its education and healthcare, rendered it of secondary importance in a region it once led, violated the rights of its citizens.. may God judge him justly & mercifully
— Ghada Shahbender (@ghadasha) February 25, 2020
ربما أفضل ما يختصر كلَّ ذلك تغردة نشرتها على موقع تويتر الناشطة السابقة في ميدان التحرير، غادة شهبندر: "لقد قاد مبارك بلاده إلى الفقر، ودمَّر نظامها التعليمي ونظامها الصحي، وجعلها قوة إقليمية لا وزن لها. له الله يتولاه برحمته ويحاسبه بعدلِه".
وفي نهاية المطاف ها هو مبارك لم يعد أكثر مما يشبه مسطرة قياس سياسية للمقارنة بنظرائه من حكام مصر. فجميع المصريين يتَّفقون في الرأي على أنَّ مبارك كان رمزًا للركود السياسي والفساد. غير أنَّ الأشخاص الذين كانوا سعداء بالتخلص منه قبل تسعة أعوام، يتَّفقون اليوم في الرأي أيضًا على أنَّ حكمه كان أقل سلطوية من حكَّام مصر الحاليين.
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
اقرأ/ي أيضًا: المزيد من مقالات موقع قنطرة
مصر من ثورة يناير إلى الإخوان ثم السيسي. كيف عادت مصر إلى العسكريتاريا الشعبوية؟
"الصعود إلى الهاوية"...حياة مبارك في صور
الصراع على السلطة في مصر بعد الربيع العربي
مصر - الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير