كيفية "تنسيق" خروج فلسطينيين من قطاع غزة عبر معبر رفح
على الرغم من إغلاق الحدود بين مصر وغزة لا يزال من الممكن مغادرة القطاع الفلسطيني المحاصر، ولكن فقط إذا كان لدى من يرغب في ذلك ما يكفي من المال واسلاتصالات والوثائق.
وكتب مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد OCCRP في أواخر يناير/كانون الثاني 2024: "لعدة سنوات عرضت شبكة من وكلاء السفر والوسطاء المتمركزين في مصر وغزة ممرات سريعة عبر رفح مقابل سعر يتراوح بين عدة مئات إلى عدة آلاف من الدولارات".
وكانت تكلفة عملية الخروج -التي تُعرف بـ "التنسيق" (وهو نظام يشير إليه الفلسطينيون على أنه رشوة يتم دفعها ويمكن من خلالها الحصول على تصريح بمغادرة قطاع غزة)- تتراوح بين 350 و 600 دولار (حوالي 320 إلى 550 يورو). لكن منظمة OCCRP أشارت إلى أنه "كلما زاد اليأس من المغادرة كان العائد المادي المتوقع أفضل" بالنسبة لوكلاء السفر.
ومع استمرار الحرب في غزة وتدهور الأوضاع هناك تزدهر أعمال نقل الأشخاص عبر الحدود. وبعد ما كان هناك العديد من الشركات التي تقدم عملية "التنسيق" اقتصر الأمر الآن على شركة واحدة فقط وهي شركة "هلا" المصرية للاستشارات والسياحة، والتي كانت مؤخراً في قلب تقارير إعلامية متعددة.
تشير تحقيقات صحافية إلى وجود روابط بين رجل أعمال محلي يُدعى إبراهيم العرجاني وبين الجيش المصري. في عام 2019 بدأت "هلا" المملوكة للعرجاني في تقديم ما سمته "خدمة VIP" بقيمة 1200 دولار لإخراج الفلسطينيين عبر معبر رفح.
وبحسب تحقيق لموقع "مدى مصر" المستقل فإن العرجاني تتقاطع عنده خطوط الأعمال والسلطة والعلاقات الدولية. وبحسب ما نشر موقع "مدى مصر" فقد تحول العرجاني خلال أقل من عقد من طريد سابق مطلوب للعدالة إلى قائد كتيبة من القبائل -تساعد الجيش في حربها على الإرهاب- وأحد أكبر رجال الأعمال في مصر.
التمويل التشاركي - هل هو الحل؟
في غزة وقبل بدء الحرب الحالية كان معدل البطالة في غزة حوالي 50% وكان المتوسط اليومي للأجر حوالي 13 دولارًا، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية. لذلك يكاد يكون العبور مستحيلاً تقريبًا بالنسبة للكثيرين بسبب نقص المال اللازم دفعه، لذا بدأ البعض الآن في اللجوء إلى "التمويل التشاركي crowdfunding" لجمع النقود اللازمة للخروج من القطاع.
ويشير تحقيق "مدى مصر" الذي تحدث مع عائلات فلسطينية خلال الأشهر الماضية وأيضا تحقيق OCCRP ومنظمات أخرى، إلى أن التنسيق بدأ بخروج الفلسطينيين بسعر خمسة آلاف دولار للبالغين في بداية نوفمبر / تشرين الثاني الماضي 2023، حتى وصل إلى 11 ألف دولار نهاية يناير / كانون الثاني الماضي 2024، بحسب ما أكد تحقيق "مدى مصر" وتحقيق شبكة سكاى نيوز البريطانية، قبل أن تتدخل شركة "هلا" المملوكة للعرجاني.
ووفق تحقيق سكاي نيوز البريطانية فإن شركة "هلا" لا تترك سوى القليل للغاية من الآثار التي يمكن تتبعها عبر الأوراق، كما أن الشركة غير مسجلة على موقع وزارة الآثار والسياحة، حيث يتعين على الشركات المصرية العاملة في مجال السفر عبر الحدود القيام بذلك، ووجودها الوحيد على الإنترنت هو صفحتان على فيسبوك ونموذج تسجيل بيانات على غوغل.
وقال جميع من أجرت معهم سكاى نيوز مقابلات إن الدفع يجب أن يتم نقداً، ولم يُزَوَّد أي منهم بإيصال، وحصلوا في المقابل فقط على تذكرة تحمل أسماءهم، ولكن لم تكن هناك معلومات حول المبلغ المدفوع.
ونفت القاهرة على لسان ضياء رشوان -رئيس الهيئة العامة للاستعلامات "مزاعم التحصيل الرسمي لأية رسوم إضافية على القادمين من غزة- وكذلك ادعاءات تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".
ما لا تريده دول الغرب من حليفتها إسرائيل في غزة
لنزاع إسرائيل وفلسطين واقع ميداني مناقض لصورة نمطية موجودة في عقول كثيرين بألمانيا والغرب. المحللة السياسية والكاتبة الألمانية كريستين هيلبيرغ تحدد سبعة استنتاجات غير مريحة لكثيرين بالغرب لكنها ضرورية للتهدئة بل وحل الصراع.
كيف يُوفَّر المال عبر "التمويل التشاركي"؟
منذ نهاية يناير / كانون الثاني 2024 ظهرت أعداد متزايدة من الحملات المتعلقة بغزة على مواقع التمويل التشاركي. وهناك الآن ما قد يصل إلى آلاف الحملات على مواقع مثل "جَسْت غيفينغ" Just Giving و"غوفَنْدْمي" GoFundMe" وهي بعض من أكثر المواقع شهرة والمخصصة لهذا النوع من الحملات الإنسانية.
تتشارك جميع الحملات تقريباً في هدف واحد وهو جمع ما يكفي من المال لدفع تكاليف الإجلاء، وأظهر تحليل لمختلف الحملات من هذا النوع من قبل شبكة سكاي نيوز البريطانية أن متوسط المبلغ المطلوب جمعه يصل إلى حوالي 38000 دولار.
ومع ذلك لا يمكن استخدام مواقع مثل "غوفَنْدْمي" إلا في 19 دولة تقع جميعها تقريباً في أوروبا أو أمريكا الشمالية، لذا فإن الفلسطينيين الذين يستخدمون هذا النظام عادةً ما يكون لديهم أحد الأقارب أو اتصال بشخص ما في إحدى تلك البلدان لإعداد الحملة واستلام الأموال في حسابهم البنكي.
من خلال فحص أسمائهم ومواقعهم يُلحِق المتبرعون إليهم أشخاصاً متنوعين تأثروا برسالة الحملة. أحد المتبرعين -مقره في أسكتلندا- تمكن من جمع 50 ألف جنيه إسترليني (63000 دولار، 58000 يورو) في 24 ساعة فقط وحاليًا لديه تبرعات من أكثر من 2000 متبرع. كانت قيمة أعلى تبرع 2400 جنيه إسترليني، بينما كان الأقل خمسة جنيهات فقط.
من المستفيد؟
وفق ما تشير إليه تحقيقات صحفية فإنه من المؤكد أن شركة "هلا" للاستشارات والسياحة -والتي لا تتحدث إلى وسائل الإعلام- تحقق أرباحاً طائلة، إذ يمكن أن يعبر حوالي 250 شخصاً الحدود عبر معبر رفح يوميًا، ومن خلال فحص قوائم أسماء من يعبرون مقابل الرسوم المتوقعة يعتقد القائمون على تحقيق -أجرته شبكة سكاي نيوز- أن الشركة قد تحقق ما يصل إلى مليون دولار في اليوم استناداً الى صورة من كشفٍ حملَ أسماء عدة أشخاص في يوم واحد.
أيضاً تستفيد مواقع التمويل التشاركي من حملات جمع الأموال، إذ يفرض موقع مثل "غوفَنْدْمي" رسماً بنسبة 2.9% من إجمالي التبرع و 0.30 دولار إضافية لكل تبرع. بهذا المعدل تنتهي الحملة التي جمعت 50000 جنيه إسترليني مع 2000 متبرع بدفع أكثر من 2000 جنيه إسترليني لـ "غوفندمي".
بعض الحملات نجحت فوراً، ربما بسبب الشبكات الجيدة المعدة مسبقاً من الأصدقاء والمتبرعين المحتملين أو بسبب الشهرة المسبقة على مواقع التواصل الاجتماعي للقائمين على أو المتصلين بالحملة. في كثير من الأحيان تنتشر الحملات بشكل كبير للغاية ثم تنتقل للترويج لحملات جمع تبرعات أخرى لأشخاص داخل غزة.
من جانبها ذكرت صحيفة "تورونتو ستار" الكندية أن الفلسطينيين يتواصلون بنجاح مع مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ويطلبون منهم المساعدة في نشر نداءاتهم. ومع ذلك تظل العديد من الحملات الأخرى غير ممولة، حتى بعد مرور وقت طويل على وجودها على الإنترنت.
ما المشاكل المتعلقة بجمع التبرعات لغزة؟
واحدة من تلك المشكلات هي أن مواقع جمع التبرعات قد لا تكون مجهزة بشكل جيد خصيصاً للتعامل مع حملات يمكن اعتبارها جدلية سياسياً.
في نهاية فبراير/شباط 2024 أفاد موقع التكنولوجيا الأمريكي "ذا فيرج" أن جمع التبرعات لغزة كان يتعامل مع "تعديل صارم أدى إلى [إبطاء] الجهود الإغاثية، وتسبب في سياسات غير متسقة [تركت] المنظمين والمتبرعين في حالة من الارتباك".
وأفاد الخبراء لموقع "ذا فيرج" أن هذا الأمر قد يكون خوفاً من الاحتيال، أو أن الشركة نفسها تشعر بالقلق من تعرضها لاتهامات بتمويل مجموعة إرهابية وهو توصيف ينطبق على حركة حماس في غزة والمصنفة كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
وفي السابق قال مسؤولون إسرائيليون -لم يكشف عن أسمائهم- لوكالة أنباء بلومبِرغ إنهم يعتقدون أن زيادة التبرعات قد توفر غطاءً لأي شخص يرسل أموالًا إلى حماس، على الرغم من أنهم لم يشرحوا كيف يمكن حدوث هذا الأمر.
وبالنسبة لأولئك الذين دفعوا المال فإن ذلك يعني في كثير من الأحيان انتظارًا مريرًا، حيث يتم نشر قوائم يومية لمن سيخرجون على وسائل التواصل الاجتماعي عادة، أو من خلال الرسائل الإلكترونية عبر الإنترنت، ونظراً لنقص الطاقة وصعوبة الحصول على اتصال بالإنترنت في غزة، فقد فات البعض موعد الخروج. وتشير التقارير إلى أنه يتعين على هؤلاء الأشخاص التقدم بطلب جديد ودفع الأموال مرة أخرى.
وفي وقت نشر هذه المقالة فإن نظام الحجز عبر الإنترنت في "هلا" كان مغلقا وذلك حتى يتم الانتهاء من القوائم الحالية، كما أوضحت الشركة. وأضافت: "يرجى عدم التجمع أمام بوابة الشركة إلى أن يتم فتح التسجيل مرة أخرى".
كاثرين شير
ترجمة: محمود حسين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2024